عادي

كيف نستفيد من الرخص الشرعية؟

22:16 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

يعتقد كثير من الناس أن التشديد على النفس، والتحوط في التعامل مع تعاليم الدين، يضاعف الأجر والثواب، ويحمى الإنسان من الوقوع فيما هو محظور أو منهي عنه شرعاً، أو اتباع الحد الأدنى من الالتزام الديني، لذلك يشددون على أنفسهم، ويتجاهلون الرخص الشرعية، فيقعون في الحرج، حيث يعجزون عن الوفاء بكثير من العبادات والالتزامات الدينية، فهل ما يعتقده هؤلاء صحيح؟ وهل تجاهل الرخص الشرعية يضاعف الأجر والثواب؟ وما تعاليم الشريعة الإسلامية وتوجيهاتها في هذا التساؤل؟

1

يقول د. محمد الضوينى، عضو هيئة كبار العلماء ووكيل الأزهر الشريف: من أبرز خصائص الشريعة الإسلامية «التيسير ورفع الحرج»، وكل أحكام الشريعة الإسلامية تراعي حالة الإنسان البدنية والنفسية،والله سبحانه وتعالى يؤكد لنا في القرآن أنه«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ»، فالقرآن وهو المصدر الرئيسي للتشريع الإسلامي يراعي ضعف الإنسان، وكثرة أعبائه، وتعدد مشاغله، وضغوط الحياة ومتطلباتها، ولذلك كان التيسير على النفس «يسروا ولا تعسروا» أحد وصايا رسول الله الخاتم، صلوات الله وسلامه عليه.

ويضيف: لو تأملنا تعاليم الشريعة الإسلامية وأحكامها لوجدناها في حدود طاقة الإنسان ووسعه، وهذا طبيعي لأن واضع هذا المنهج ومقرر هذه الأحكام الله سبحانه وتعالى وهو الرحيم الرؤوف بعباده، لا يريد لهم عنتاً ولا رهقاً، إنما يريد لهم الخير والسعادة وصلاح الحال والنصوص القرآنية التي تؤكد كل ذلك كثيرة ومتنوعة.

ويؤكد د. الضوينى أن من رحمة الله بعباده أن شريعته تحمل القدر اليسير من الثوابت، والقدر الكبير من المتغيرات، لكي تتلاءم مع ظروف المسلمين في كل عصر، فما كان يستطيع الصبر عليه إنسان العصور الماضية قد لا يستطيعه إنسان هذا العصر، ومن هنا كانت الأحكام الشرعية في معظمها مرنة ومتغيرة ومتجددة، وتراعى ظروف المسلمين في كل العصور والأزمان.

رفع الحرج.. كيف يكون؟

يقول د. عطا السنباطي، أستاذ الفقه المقارن، وعميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر إن رفع الحرج في الشريعة الإسلامية يعنى تجنب كل ما فيه مشقة، والأخذ بما هو أيسر وفي متناول الإنسان، وهذا مطلب شرعي لا يجوز أن يحيد عنه مسلم، ذلك أن تصنع المشقة لن يضيف جديداً لأجر الإنسان على ما يؤدى من عبادات والتزامات دينية.

ويضيف: لقد شرع الإسلام الرخص عند وجود أسبابها، وذلك كالترخيص في التيمم لمن خاف التضرر باستعمال الماء لجرح أو لبرد شديد، ونحو ذلك؛ فكل ما يلحق الضرر بالإنسان عليه تجنبه، والقرآن الكريم يقول: «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ». ومن الرخص التي راعى الشرع فيها حالة الإنسان الصحية والبدنية؛ الترخيص في الصلاة قاعداً لمن تضرر من الصلاة قائماً، والصلاة بالإيماء مضطجعاً أو مستلقياً لمن تؤذيه الصلاة قاعداً، ومثل ذلك الترخيص في الإفطار للحامل والمرضع؛ إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما، وكذلك لمن كان مريضاً أو على سفر، ومثله الترخيص للمسافر في القصر والجمع في الصلاة، والحديث الشريف يقول: «إن الله يحب أن تُؤتى رخصة كما يكره أن تُؤتى معصيته»، ومن هنا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من شدد على نفسه، وصام في السفر، مع شعوره بشدة المشقة، وحاجته إلى الفطر، فقال في مثله: «ليس من البر الصيام في السفر».

وينقل د.السنباطي بعض القواعد الفقهية التي تؤكد ضرورة أن يستفيد المسلم بالرخص الشرعية، وفى مقدمتها قاعدة: «المشقة تجلب التيسير»، وهي أصل له فروع كثيرة في شتى أبواب الفقه، وهناك أشياء متعددة اعتبرتها الشريعة من أسباب التيسير والتخفيف، منها: المرض، والسفر، والإكراه، والخطأ، والنسيان، وعموم البلوى، ولكل منها أحكام فصلتها كتب الشريعة

ويفرق د. السنباطي بين مصطلحين شهيرين في الفقه الإسلامي وهما (العزيمة.. والرخصة) ويقول: (العزيمة) هي الحكم الشرعي الثابت بدليل الشرع دون وجود معارض أقوى.. أما (الرخصة) فهي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذرٍ، فالرخصة حكم شرعي جاء به الشارع عزّ وجلّ توسيعاً وتسهيلاً على المكلّفين بسبب وجود عذر ما تتحول معه العزيمة إلى رخصة.

ويقول: تمثل العزيمة الأحكام الأصلية والعامة دون اختصاصها بأحوال أو ظروف معينة، بينما تختص الرخصة بالأحكام الشرعية المتعلقة بأصحاب الأعذار وفي أحوال معينة، لذا تكون على خلاف أصل الحكم.. وحكم الرخصة لا يعتد به إلا بدليل شرعي؛ إذ إنه حكم مخالف لحكم الأصل، ولذا لا بد من ورود دليل شرعي خاص به ولا يجوز القياس عليه، ولأن حكم الرخصة ثبت لضرورة معينة، لذا لا بد من أن تقدر هذه الضرورة بقدرها.

ويتابع: من هنا لا يجوز لمسلم أن يتتبع المذاهب الفقهية بحثاً عن الرخص الشرعية ليطبقها على نفسه دون وجود ضرورة، فلو كان الإنسان قادراً على الصلاة واقفاً- مثلاً- لا يجوز له أن يصلى قاعداً أو مضجعاً.. ولو وجد الإنسان الماء ليتوضأ بطل التيمم، وهناك مثل شائع في حياة الناس يقول ذلك، ودلالاته واضحة وهي أنه لو أمكن للإنسان فعل المطلب الشرعي كما هو فلا يجوز له أن يبحث عن رخصة، ليفلت من التكليف بصورته الأصيلة.

من مفاخر شريعتنا

يؤكد د. عبدالفتاح إدريس، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن من مفاخر الشريعة الإسلامية (رفع الحرج والضيق عن المكلفين) في ما يتعلق بأدائهم التكاليف الشرعية، وذلك تخفيف عليهم ورحمة بهم ومراعاة لأحوالهم التي اقتضت ذلك، يدل على هذا نصوص عدة من القرآن الكريم والسنة النبوية.

ويضيف: الشريعة الإسلامية هي خاتمة تشريعات السماء إلى الأرض، ولذلك اقتضت حكمة الله أن تحتوى تلك الشريعة كل ما فيه يسر ورفق ورحمة بالمكلفين.

أسباب الترخص

يذكر د. عبدالفتاح إدريس أن من أسباب الترخص: الإكراه والسفر والمرض والمطر وما في معناه، والاضطرار، وإذا ما نظرنا إلى سبب الترخص الأول وهو الإكراه، فإننا نجد أن الشارع أباح للمرء أن يفعل ما أكره عليه، ولا يؤاخذه على فعله ذلك حتى ولو كان ما أكره عليه هو النطق بكلمة الكفر، فقد قال الحق سبحانه: «مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»، وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/37a2mbvx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"