ليتها قمّة استثنائية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

تلتئم القمّة العربية مجدداً في الجزائر بعد غياب أكثر من ثلاث سنوات بسبب الجائحة الصحية، لتعود معها الآمال المكررة بأن يتجاوز العرب خلافاتهم ويتعالوا على التباينات المزمنة ويجمعوا الأمة على كلمة واحدة، لا سيما في ظل ظرف دولي بالغ الدقة والتعقيد، ويتسم بحالة استقطاب حادة تعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، وربما أسوأ.
  هذه القمة، التي تستضيفها الجزائر تحت عنوان «لم الشمل»، يجب أن تكون اسماً على مسمى وتتمكن من تحقيق أقصى ما يمكن من إجماع عربي حيال القضايا الراهنة والتطلعات المأمولة. فالوقت لم يعد يسمح بالتراخي أو البقاء على الهامش انتظاراً لما قد يأتي أو لا يأتي، بل يجب الإسراع باستنباط خطاب عربي موحد يستوعب دقة المرحلة ويعي إيجابياتها ومخاطرها، ويلهم الأجيال الراهنة واللاحقة الاعتزاز بتاريخ هذه الأمة الراسخة بين الأمم، ويحمل لها الأمل بأخذ موقع لائق في المستقبل، ما يسمح بالمساهمة في صناعة القرار العالمي وفق ما تقتضيه المصالح العربية. فالعالم يشهد الآن ولادة عسيرة لنظام دولي جديد يقوم على تعدد الأقطاب، وقد تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التوتر والتجاذب بين عهد يأفل وآخر يتشكل، والعرب مطالبون بأن يكون لهم مكان يضمن لهم الاستقلالية والدفاع عن حقوقهم المشروعة، ويمكنهم من المساهمة الإيجابية في صياغة أسس الأمن الدولي.
  تحقيق هذه الأهداف ممكن إذا نجحت الدول العربية في توحيد صفها وأهدافها وبرامجها، فالتحديات المقبلة كبيرة وتتعاظم من عام إلى آخر. وبعد جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، بدأت تظهر أزمات في مجالات عدة، أهمها الغذاء، الذي يهدد فقدانه بمجاعات في بعض الدول العربية، مثل الصومال واليمن، كما أن دولاً أخرى بدأت تعاني التأثيرات المباشرة لهذه الحرب بسبب تقلب أسواق الطاقة وزيادة التضخم إلى مستويات قياسية، وما قد يسببه ذلك من قلاقل اجتماعية وزعزعة للأوضاع السياسية والأمنية. والوعي بهذه التحديات يفرض على العمل العربي المشترك أن يكون جاهزاً لتخفيف هذه الضغوطات وكسب الرهانات الموضوعية، إذا كانت هناك نوايا صادقة ورغبة في التآلف ولم الشمل.
منذ تأسيس الجامعة العربية، والمفردات والشعارات ذاتها تتكرر من قمة إلى أخرى حتى ملّها المواطن العربي. واليوم، وفي ظل المستجدات الإقليمية والدولية، باتت المسؤولية الملقاة على القادة العرب عظيمة، وسيتطلب النهوض بها إرادة ثلاثية الأبعاد تتمثل أساساً في الإيمان بالتكامل العربي ووحدة المصير، وتوظيف الإمكانيات المتاحة لما فيه الخير والصلاح، والثقة في المستقبل وبمكان لائق بين الأمم الأخرى عبر الريادة في العلوم والتكنولوجيا الحديثة. وهذه الأهداف يمكن بلوغها وتحقيقها بتفعيل آليات العمل المشترك ومخاطبة العالم كتكتل مترامي الأطراف نصف سكانه شباب، ويمتلك ثروات وطاقات وإمكانيات تسمح له بأن يكون بيضة القبان في التوازنات الإقليمية والدولية.
  قمة الجزائر، التي يتزامن انعقادها مع الذكرى الثامنة والستين لثورة الأول من نوفمبر في تلك البلاد، ليتها تكون انطلاقة جديدة. وبما أنها أول قمة عربية رقمية بالكامل ومن دون ورق، يأمل الجميع أن تأتي مضامينها واعدة، ومختلفة عما سبقها من قمم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddud56t

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"