مؤشر الحروب الصاعد

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تتجه منطقة شرقي آسيا إلى إرساء معادلات عسكرية جديدة، قد تكون مقدمة لصراع خطِر في السنوات المقبلة، تنبئ عنه حالة الاستعداد القتالي المستمرة والمناورات واسعة النطاق، في المحيطين الهندي والهادي، بين قوى متخاصمة قطباها الأساسيان الصين والولايات المتحدة اللتان تتنازعان الهيمنة على الإقليم والعالم، بالتوازي مع حالة التوتر المتصاعدة في شبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان، وسعي اليابان إلى مضاعفة إنقاقها الدفاعي تحسباً للطوارئ المحتملة.

قبل يومين، تعهد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بتعزيز القدرات البحرية والعسكرية لبلاده، ليرسل بذلك رسالة مباشرة إلى الصين غريمتها التاريخية في الإقليم، أكثر مما هو تحذير إلى كوريا الشمالية، التي كثفت من تجاربها الصاروخية في الفترة الأخيرة، وحلق بعضها فوق الجزر اليابانية ما أثار استنفار السلطات وذعر السكان.

وقد يكون ذلك الاستفزاز عاملاً موضوعياً يساعد طوكيو على استعادة مجد قوتها العسكرية ويحررها، على غرار ألمانيا، من قيود الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، لكن على المدى الاستراتيجي سيكون تحولاً بالغ الخطورة، ولن يكون مريحاً للقوى الحليفة، بما فيها الولايات المتحدة وأستراليا؛ لأن تغيير المعادلات العسكرية سينجم عنه زعزعة للأسس التي قام عليها النظام الإقليمي، وقد يتوسع النطاق لاستقطاب قوى أخرى، مثل روسيا، التي تحتفظ بسجل عدائي مع طوكيو، وتقف في موقع قريب من الصين وكوريا الشمالية، وعندها قد يسفر أي خطأ غير محسوب عن فوضى كبيرة تكسر قواعد الاشتباك المتعارف عليها، وتؤدي إلى ما هو أسوأ بكثير من نتائج الأزمة الأوكرانية.

الصين منافس خطِر جداً في فضائها الحيوي، وكلّ القوى المتحالفة مع واشنطن لن تكون في وضع مريح إذا جاهرت بعدائها الصريح لهذا العملاق، خصوصاً بعدما أقر المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي تعديلات عسكرية تتضمن زيادة في الإنفاق والتصنيع وتطوير القدرات العسكرية المختلفة، بما يضمن حماية المصالح الاستراتيجية لبكين، ومن ضمنها استعادة تايوان.

لقد برر رئيس الوزراء الياباني تطوير قدرات بلاده بأن بيئة الأمن المحيطة بطوكيو تزداد قسوة. ورأيه بإعداد ما تستطيع طوكيو من قوة، ربما لن يجلب السلام إلى المنطقة. واستناداً إلى مؤشر الحروب الصاعد، فإن زيادة التحشيد العسكري وبناء التحالفات وتصعيد الاحتقان والاستقطاب ستسمح بولادة عصر جديد يقوم على سياسة الإكراه لا التعايش، وحينها سيتقهقر الوضع العالمي عقوداً إلى الوراء، عندما كانت تلك المنطقة الممتدة من شمال اليابان إلى أستراليا جنوباً مسرحاً لأفظع المعارك والحروب.

في افتتاح قمة المناخ في شرم الشيخ، وجّه الرئيس المصري نداء إلى جميع القادة للعمل على وقف الحرب في أوكرانيا؛ لأنها أزمة كبيرة وتداعياتها المتوالية أكبر. وعطفاً على هذا الموقف، فإن العالم الذي أرهقته هذه الأزمة لن يستطيع تحمل حرب أثقل وأشد وطأة. ومن دون البحث عمن هو الجلاد أو الضحية، فإن البشرية قاطبة في هذا الظرف الدقيق بأشد الحاجة إلى التهدئة والأمن والتنمية وصناعة الأمل. أما التجهيز للحروب والصراعات وبناء التحالفات العسكرية الجبارة فسيكون فألاً سيئاً جداً للبشرية التي تستعد للاحتفال بولادة المتمم للثمانية مليار إنسان جميعهم يريد العيش بسلام.

[email protected]

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8v3429

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"