مدهشون

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

«وحياتك يا ابني.. وحياة غلاوتك» حين يحلف المرء بحياة ابنه (أو ابنته) و«غلاوته» على قلبه، فهذا يعكس بلا شك كبر حجم هذا الحب ومكانة الابن في قلب والده ووالدته، لكن هذه المعزة لا تترجم دائماً بالتصرف السليم، فبعضهم يتغاضى عن أخطاء الأبناء الخطيرة خصوصاً حين يعلم أو يتأكد من سلوكيات «فلذة الكبد» غير السوية التي تشكل خطراً عليه أولاً وعلى الآخرين ثانياً. 
انتشار المخدرات وتعاطيها انتقل من مرحلة السرية والعيب والخجل إلى الفجاجة والوقاحة، ورغم حرص المتعاطي على إخفاء إدمانه عن أهله والعائلة، إلا أنه بات لا يخشى ولا يخجل من أن يعلم بأمره الأصدقاء خصوصاً الشباب والمراهقين الطلبة، ولذلك تسمع مجموعة من الطلبة يتحدثون عن الزملاء المتعاطين بوضوح ويقين وبلا استغراب! 
في المقابل ترى الهجمة الشرسة على تدخين السيجارة الإلكترونية وال «فايب» من قبل المراهقين في أي مكان، ويحملونها معهم في حقائب المدرسة باعتبار أنها بلا رائحة ولن ينكشف أمرهم إذا استخدموها في الفصل وخارجه! 
التدخين يختلف عن تعاطي المخدرات، لكن الشراهة في الإقبال عليه بلا خوف أو خجل لدى هذه الفئة الفتيّة، تفتح الطريق أمامهم إلى ما هو أخطر، خصوصاً أن تجار أو شياطين المخدرات يصلون إلى أي كان عبر الطرق الإلكترونية إن لم يكن عبر الأساليب التقليدية المباشرة. فماذا يفعل المرء إذا علم أن ابنه يتعاطى المخدرات أو أن أحد أصدقائه من المدمنين؟ هل يبادر إلى التعامل معه بعصبية وغضب، أم يكتفي بالحوار والحديث والموعظة الحسنة، أم أن هناك خيطاً ثالثاً يجب التمسك به لضمان حماية هذا المتعاطي وإن ادعى عدم وصوله إلى مرحلة الإدمان؟
الأساليب الصحيحة لا يمكن أن تكون بإنكار الحقيقة من منطلق عزة نفس أبوين يرفضان الاعتراف بأن ابنهما يتعاطى المخدرات، ولا يمكن أن تقف عند حدود التحدث مع المدمن وتكرار نصحه، فلا بد من الجرأة وقرار العلاج والمراقبة والمتابعة المستمرة. 
مدهشون هؤلاء الذين يتصلون بأنفسهم بالشرطة للإبلاغ عن ابن مدمن، يترجمون عمق معزته بتوكيل أمره إلى من ينقذه من الدمار ويقدر على التأثير فيه وإخضاعه للعلاج مع المراقبة؛ هكذا يفعل أولياء أمور في الإمارات، يستفيدون من المادة ٨٩ من قانون مكافحة المخدرات التي تنص على أنه «لا تقام الدعوى الجزائية على متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، إذا تقدم المتعاطي من تلقاء نفسه أو زوجته أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية أو ممن يتولى تربيته إلى الوحدة أو النيابة العامة أو الشرطة قبل ضبطه، أو قبل صدور أمر بالقبض عليه، طالبين إيداعه للعلاج لدى الوحدة، فيودع لديها إلى أن تقرر الوحدة إخراجه».
لا شك أن عدد المتعاطين أكبر بكثير من عدد العائلات التي أبلغت عن أحد أبنائها (٥٧٦ أسرة أبلغت شرطة دبي خلال الخمس سنوات الماضية)، لكن الأمل كبير في أن تبدأ رحلة إنقاذ الأبناء من وعي الأهل وتحركهم السليم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/52y6dfm7

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"