خفض التضخم الأمريكي يثير سخط الحلفاء

21:13 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

دائما هناك جدل يدور بين أمريكا وحلفائها فيما يتعلق بالاقتصاد. فالسلوك التجاري الأمريكي لا يراعي مصالح حلفائها. وآخر حلقات هذا الجدل يتعلق بقانون خفض التضخم (IRA) لعام 2022 الذي وقعه الرئيس الأمريكي «جو بايدن» يوم السادس عشر من أغسطس الماضي. ويرصد القانون، 370 مليار دولار لمكافحة التغير المناخي، و64 مليار دولار للصحة، وسيتيح لنظام الضمان الصحّي «ميديكير» لأول مرة التفاوض مباشرة على أسعار بعض الأدوية مع المختبرات للحصول على أسعار أكثر تنافسية. ولتحقيق ذلك يراعي القانون إصلاح ثغرات ضريبية، وفرض ضريبة جديدة بنسبة 15% كحدّ أدنى على كلّ شركة تجني أرباحاً تتخطى مليار دولار. وتشكل هذه الخطّة أكبر استثمار للولايات المتحدة في مجال المناخ بهدف تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2030. وقدرت دراسة في جامعة برينستون، أن الاستثمارات التي يقوم بها القانون ستقلل صافي الانبعاثات بنسبة 42 في المئة دون مستويات عام 2005، مقارنة بنسبة 27 في المئة في ظل السياسات الحالية.

ويرى الرئيس الأمريكي أن هذا القانون، يمثل «إنجازاً مناخياً تاريخياً». ويرى أن القانون سيساعد أيضاً في محاربة التضخم من خلال خفض العجز الاتحادي.. ويقول محللو انتخابات التجديد النصفي التي جرت في الثامن من نوفمبر أن ذلك القانون كان من العوامل التي حدت من خسائر الحزب الديمقراطي في انتخابات مجلس النواب وربما ساهم في الاحتفاظ الديمقراطي بأغلبية ضيقة في مجلس الشيوخ.

هذا هو نصف القصة أما النصف الآخر من القصة، فإن هذا القانون قد أثار سخط حلفاء واشنطن حيث تضمن القانون تقديم إعفاءات ضريبية تصل إلى 7 آلاف و500 دولار لكل من يشتري سيارة كهربائية جديدة، و4 آلاف دولار لمن يشتري سيارة كهربائية مستعملة، بشرط أن يكون قد تم تجميع تلك السيارات في أمريكا الشمالية. كما ينص على أن يتم تطبيق شروط إضافية للاستفادة من الإعفاءات الضريبية بدءاً من العام المقبل، وهي استخدام أكثر من نسبة معينة من البطاريات والمعادن الأساسية أمريكية الصنع في إنتاج السيارات الكهربائية. وكان أول من جهر بصوت الاحتجاج هو الحليف الكوري الجنوبي. الذي اعتبر القانون الأمريكي ضربة قاصمة لشركات صناعة السيارات الكورية الجنوبية، وخاصة مجموعة «هيونداي موتور»، التي أعلنت عن خطط لاستثمار أكثر من 5 مليارات دولار في الولايات المتحدة للسيارات الكهربائية والبطاريات الكهربائية خلال زيارة بايدن لسيؤول في مايو الماضي. علاوة على أن السيارات الكهربائية الكورية المبيعة في الولايات المتحدة، مثل «آيونيك 5» من شركة «هيون ديه»، و«إي في 6» من شركة «كيا»، لن تستفيد من الإعفاءات الضريبية، مما سيتسبب في ضعف القوة التنافسية السعرية للسيارات الكهربائية الكورية في السوق الأمريكية. كما تعتقد سيؤول أن القانون الأمريكي الجديد قد ينتهك اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وكذلك مبدأ وضع الدولة الأكثر تفضيلاً بموجب لوائح منظمة التجارة العالمية. وقد نقلت الحكومة الكورية مخاوفها عبر مختلف القنوات مع الولايات المتحدة، الحكومة والكونجرس والبيت الأبيض. وعبر لقاءات متعددة بالممثلة التجارية الأمريكية «كاثرين تاي» لكنهم لم يحصدوا حتى الآن سوى كلمات مطمئنة مغلفة بلغة دبلوماسية دون جدوى. فسعوا للتعاون المشترك مع اليابان والدول الأوربية التي تعاني وضعاً مماثلاً. حيث عقدت سفارات كل من كوريا الجنوبية وألمانيا وبريطانيا واليابان والسويد والاتحاد الأوربي لدى الولايات المتحدة أول اجتماع بينها لتبادل الآراء حول إمكانية الاستجابة المشتركة للتعامل التمييزي الأمريكي مع السيارات الكهربائية المجمعة خارج الولايات المتحدة. كوريا واليابان ليستا وحدهما المتضررين؛ فهناك الحلفاء الأوروبيون الساخطون ويشعرون بالقلق من العواقب التجارية للقانون الذي قال المستشار الألماني أولاف شولتز إنه قد يشعل «حرباً جمركية كبرى» من خلال التمييز ضد الشركات الأجنبية. كما حذرت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن من أن فرنسا «لن تقف مكتوفة الأيدي» في مواجهة خطة الاستثمار الأمريكية الهائلة لمكافحة التضخم التي يُحتمل أن «تضر بالمنافسة التجارية». وسيكون لها تأثير حتى في نسيج فرنسا الاقتصادي وتبدو غير متوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية». وجسدت دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون لرجال الأعمال الأوروبيين للاجتماع رغبة جارفة ومحاولة مريرة لإبقائهم في فرنسا. ومع انتشار القلق في جميع أنحاء أوروبا من انتقال الصناعات المحلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استقرار أسعار الطاقة في الولايات المتحدة والإعانات السخية من الإدارة الأمريكية بموجب قانون خفض التضخم لم تترك للشركات الأوروبية أي خيار سوى «إدارة ظهرها» للاتحاد الأوروبي. وتعتبر المفوضية الأوروبية أن الإعانات وبرامج الدعم الأمريكية «تمييزية وستفسد المنافسة». وتعد«انحرافاً بالمد التجاري بعيداً عن الاتحاد، وتهديداً بتدمير الصناعات الأوروبية». كل ذلك في سياق قناعة أوروبية بأن الحليف الأمريكي يستغل الأزمة الأوكرانية لإضعاف الاستقلال الذاتي والاستراتيجي لأوروبا، والاستفادة من أزمة الطاقة والاستيلاء على الصناعة الأوروبية.

خطورة هذا الخلاف أنه يأتي في وقت تعلن فيه واشنطن أن بكين تمثل التهديد الرئيسي للنظام الدولي، وتتهم بكين بأنها تريد إعادة تشكيل النظام الدولي. وأنه «رغم أن بكين على بعد آلاف الكيلومترات... فإن تصرفات الصين لها تأثير في مستقبل أوروبا»، ورغم ترحيب واشنطن بالتعاون الحالي مع الأوروبيين في هذا المجال فإنها تدعو في الوقت نفسه إلى «مواءمة مقاربات الجانبين». لكن يظل السؤال: هل الإجراءات التمييزية ضد السيارات الكهربائية من دول الحلفاء تساعد في «مواءمة مقاربات الحلفاء» تجاه الصين؟.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/c4s36t3f

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"