غرباء عن أبنائهم

نبض
00:55 صباحا
قراءة دقيقتين

بينما يكبر التواصل بين الناس وتتشعب وسائله إلكترونياً، تكاد تتقطع الخيوط والخطوط في التواصل المباشر بين أهل البيت الواحد، فتشعر أن كثيراً من الأهل غرباء عن أبنائهم، والغرباء مقربون ويعرفون عن هؤلاء الشبان والفتيات الكثير مما يخفون والكثير مما يفعلون. هذه الغربة لم يخترْها الأبناء حباً بالابتعاد عن الأهل، بل تأخذهم إليها أهواء سن المراهقة والرغبة المبكرة في تحقيق الذات وإبراز الشخصية والاستقلال بالرأي وحرية اتخاذ القرار والاختيار.. وهذه الرياح توهمهم بأن استباحة الممنوع وتخطي الحدود التي رسمها الأهل هي أهم الإنجازات التي يجب تحقيقها، وهي أولى علامات «النضج» و«تحمل المسؤولية».

كل تلك الأوهام تتلاشى وينقشع الضباب عن عيون المراهقين والأطفال والشباب، إذا كسر الأهل الحاجز الذي يضعونه بينهم وبين صغارهم، وهم يحسبونه حاجزاً تربوياً يضمن أداء الرسالة كما يجب، ويضمن حفظ الحدود بين الصغار والكبار دون تجاوز خط الاحترام والتقدير و«الهيبة».. لكن الحقيقة تقول غير ذلك، وهي نفس الحقيقة التي تقول إن قاموس التربية يتطور مع تطور الأجيال والأزمنة وأدواتها، وتقول إن شباب اليوم يفوقون الأهل معرفةً بالتكنولوجيا ووسائلها وخباياها، وبإمكانهم التسلل إلى غرف الدردشات المحظورة دون علم أهاليهم، والتواصل مع غرباء، وإتمام عمليات بيع وشراء دون علم أهاليهم أيضاً.

من هنا نسأل، كيف تكسر الحاجز (الذي حسبته تربوياً) دون أن تسقط حدود الاحترام بينك وبين ابنك (وابنتك)؟ كيف تكسب محبتهم واحترامهم وفي نفس الوقت تكون صديقهم الذي يعرف أسرارهم؟

أكثر ما يشكل خطراً اليوم في سوء أو انقطاع لغة الحوار بين الأبناء والآباء، هو وقوع هؤلاء الصغار في فخ الحوارات والدردشات والتواصل عبر السوشيال ميديا، والتي تسمح للغرباء في مشاركة الأهل في تربية أبنائهم، بل يحلّون محلهم ويؤثرون في عقول الشباب، ويوجّهونهم كيفما يشاءون، والخوف الأكبر هو السقوط في فخ تجار كل المحرمات والممنوعات، فهل يراقب الأهل تصرفات أبنائهم ويدققون ويتابعون قبل أن يقع المحظور؟.

لا يكلّ تجار المخدرات والمؤثرات العقلية ولا يملون من إيجاد وسائل جديدة للترويج لبضاعتهم وتسويقها إلكترونياً، وهدفهم الأول إغراء الأطفال والمراهقين والشباب.

تكاد لا تتوقف الحملات التوعوية والتحذيرية في الإمارات، وآخرها جاء من إدارة مكافحة المخدرات في شرطة الفجيرة، واللافت هو التشديد على مخاطبة أولياء الأمور؛ لأنهم خط الدفاع الأول إن جاز التعبير.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43r4w4b7

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"