عادي
انتخابات الكونغرس تهدي بايدن فرص النصر في 2024

تحديات أمريكية استثنائية في مواجهة الشعبوية وروسيا والصين

00:48 صباحا
قراءة 8 دقائق
4
ggg
بايدن يصافح نشي جين بينغ خلال لقائهما على هامش قمة العشرين في بالي بإندونيسيا (رويترز)

على غرار بقية العالم، كان عام 2022 استثنائياً في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ شهدت البلاد عدداً من التطورات والمواقف كان أهمها الانتخابات النصفية للكونغرس، التي جاءت في خضم التداعيات الكبيرة للحرب في أوكرانيا، والتوتر المتصاعد مع روسيا، بينما سيكون العام الجديد 2023 حاسماً في العديد من القضايا، لا سيما الإعداد للانتخابات الرئاسية المقررة في 2022، بعد أن حدت الانتخابات النصفية للكونغرس من الموجة الشعبوية التي يمثل قطاع من الحزب الجمهوري. أما خارجياً، فإن هذه الانتخابات منحت البيت الأبيض قوة مضافة في خضم العلاقة المتوترة بشدة مع كل من موسكو وبكين، فقد طغت بقوة على السياسة الأمريكية، وستكون هي المهيمنة في العام المقبل، بما يعنيه ذلك من تحولات عالمية تهدف إلى بناء نظام متعدد الأقطاب.

وفي الانتخابات النصفية الأخيرة، حقق الديمقراطيون فوزاً مفاجئاً بالغالبية في مجلس الشيوخ وسط حالة من الذهول والتشتت خيمت على الجمهوريين، الذين حققوا نتائج مخيبة لتوقعاتهم على الرغم من حصولهم على أغلبية ضئيلة في مجلس النواب. ونجح الحزب الديمقراطي في تأمين قاعدة مهمة من الدعم السياسي والتشريعي ترافق الرئيس، جو بايدن، حتى نهاية ولايته، كما تدعم فرصه في الترشح لولاية ثانية في 2024، في مقابل تضاؤل فرص الرئيس السابق دونالد ترامب وخسرانه الدعم الشعبي ودعم مؤيديه بين قيادات الحزب الجمهوري.

استفتاء وليس تجديداً

والانتخابات النصفية التي تجرى منتصف ولاية كل رئيس البالغة أربع سنوات، تعد بمثابة استفتاء وتقييم لعامين من حكمه، ولا يقصد بها التجديد النصفي للمقاعد، فانتخابات مجلس النواب الأمريكي تجرى كل عامين وتشمل جميع المقاعد البالغ عددها 435 مقعداً، والحاصل على 218 مقعداً على الأقل يفوز بالأغلبية. أما انتخابات مجلس الشيوخ فلا تشمل سوى 35 مقعداً من إجمالي 100 مقعد فقط، وتبلغ ولاية السيناتور 6 سنوات. بينما يتم انتخاب 36 من حكام الولايات الفيدرالية من إجمالي 50 ولاية، والذين لهم صلاحيات تنفيذية واسعة على مستوى مقاطعاتهم، ما يجعل هذه الانتخابات لا تقل أهمية عن انتخابات الكونغرس بغرفتيه.

ويشرف مجلس الشيوخ على المصادقة على تعيين القضاة الفيدراليين والوزراء وغير ذلك من المناصب المهمة، وبقاء المجلس ذي المئة مقعد إلى جانب بايدن هو بمثابة هدية له بينما يسعى لمتابعة تنفيذ برامجه. وقال زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، إن النتيجة كانت إثباتاً لإنجازات الديمقراطيين، ورفضاً صريحاً للاتجاه المناهض للديمقراطية والسلطوي والمشين والمثير للانقسام الذي قدمه الرئيس السابق، دونالد ترامب، وأنصاره.

نتائج غير مسبوقة

وعادة ما تجري انتخابات منتصف الولاية معها الرفض للحزب المتربع على السلطة، وإذا أضفنا إلى ذلك ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض شعبية بايدن إلى مستويات غير مسبوقة، فقد توقع الجمهوريون أن يتولد من كل هذه العوامل «موجة حمراء» عاتية تدفع بحزبهم في الانتخابات إلى انتزاع الغالبية في المجلسين. لكن النتائج جاءت مخيبة للتوقعات فقد عزز الديمقراطيون أغلبيتهم في مجلس الشيوخ خصوصاً مع إعلان فوز المرشحة الديمقراطية، كاثرين كورتيز ماستو، في نيفادا، ما رجح كفة الحزب الديمقراطي بنيله المقاعد الخمسين المطلوبة لضمان الغالبية، ثم منحت جورجيا ثقتها للمرشح الديمقراطي رفاييل وارنوك وأسقطت الجمهوري هارتشيل ووكر المدعوم من دونالد ترامب. وساعد المرشحين الديمقراطيين رفض الناخبين لسلسلة من المرشحين الجمهوريين اليمينيين المتطرفين، ومعظمهم من حلفاء ترامب، بمن فيهم محمد أوز ودوغ ماستريانو وبليك ماسترز. وأثنت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية، نانسي بيلوسي، على أداء حزبها القوي، مشيرة إلى أن «الموجة الحمراء» التي تنبأ بها الحزب الجمهوري والخبراء انتهت إلى «سيل صغير هزيل».

التعاون وليس المواجهة

وفي المقابل حصل الجمهوريون على أغلبية ضئيلة في مجلس النواب بعد تأمينهم 218 مقعداً. ويمنح هذا الفوز الجمهوريين القدرة على تعطيل أجندة بايدن، فضلاً عن إطلاق تحقيقات يحتمل أن تكون ضارة سياسياً لإدارته وعائلته. لكن مراقبين قالوا إن أغلبية الجمهوريين الضئيلة، ستعقد قدرتهم على العمل في قاعة مجلس النواب. وقد يثير الحصول على أغلبية ضئيلة المزيد من التحديات أمام فريق القيادة الحالي للجمهوريين في مجلس النواب. ويواجه النائب كيفن مكارثي، الزعيم الجمهوري الحالي، معارضة من داخل صفوف الحزب بسبب ترشيحه لمنصب رئيس البرلمان. وحصل مكارثي على ترشيح من حزبه، لكن لا يزال يتعين عليه كسب دعم إضافي قبل التصويت عليه في يناير.

في حين أن الخسارة تسلب بعض سلطة بايدن في واشنطن، فقد أشار إلى أنه يتوقع من الجمهوريين التعاون. وتقول شبكة «سي ان ان»، إن بايدن سيضطر إلى التفاوض مع من يأتي على القمة في معركة القيادة الجمهورية، وخوض معارك حول المساعدات الأوكرانية والحفاظ على تمويل الحكومة، بينما يحاول الجمهوريون عرقلته قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وفقاً للشبكة.

لكن الحجم المتواضع للأغلبية الجمهورية الجديدة، التي لم ترق إلى مستوى التوقعات الصعودية، يعني أن قادة الحزب سيكونون محاصرين بالحاجة إلى تأمين دعم شبه إجماعي من تجمعهم، غير القادرين على تحمل أكثر من عدد قليل من الانشقاقات.

وهنأ بايدن، الحزب الجمهوري على فوزه بالأغلبية في مجلس النواب، مؤكداً استعداده للعمل مع الجمهوريين في مجلس النواب لتحقيق نتائج للأسر العاملة. وقال إن الانتخابات، أظهرت قوة الديمقراطية الأمريكية ومرونتها، مضيفاً أنه كان هناك رفض قوي لمنكري الانتخابات، والعنف السياسي، والترهيب. كان هناك بيان مؤكد بأن إرادة الشعب في أمريكا هي السائدة، وهو ما قد يساعد على تناول الملفات الخارجية التي تبدو فيها الولايات المتحدة في موقف لا تحسد عليه.

روسيا ومشكلة أوكرانيا

ومن أهم النتائج للانتخابات النصفية، أن إدارة بايدن استطاعت تأمين قدر كبير من التماسك الداخلي في مواجهة التحديات العالمية، بالتزامن مع تزايد التوترات مع روسيا من جهة، والصين من جهة أخرى، في ظل تأييد عسكري وسياسي لكل من أوكرانيا وتايوان، خصمي بكين وموسكو، وسط تحذيرات من دخول واشنطن طرفاً في النزاعات، ما ينذر بصدام عالمي بين القوى الثلاث.

وبفعل الموقف الأمريكي العدائي من روسيا بسبب الحرب والدعم المطلق، مالياً وتسليحيا وسياسيا لكييف، أصبحت العلاقات بين واشنطن وموسكو في مأزق حقيقي، تغذيه التصريحات النارية لقادة البلدين، على الرغم من حفاظهما على قنوات للتواصل تجنباً لسوء التقدير. ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، يبدي بايدن موقفاً متشدداً من نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وتصاعد هذا الموقف أكثر بعد الزيارة المفاجئة التي أداها إلى واشنطن الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي هذا الشهر، وإقرار الكونغرس مضاعفة المساعدات إلى زهاء 95 مليار دولار، منها تزويد كييف بمنظومة «باتريوت»، وهذا الموقف ردت عليه موسكو بتأكيدها أنه إذا قررت الولايات المتحدة تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى، فإنها ستتجاوز الخط الأحمر وتصبح طرفاً في الصراع، في إشارة منها إلى إمكانية مواجهة بين الطرفين إذا تجاوزت واشنطن تهديدات الدب الروسي.

وبالمجمل، فقد وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا إلى حافة الهاوية، وبات يتردد في العالم مصطلح الحرب العالمية الثالثة، والصراع النووي المدمر. ويتواجه البلدان في مجالات عدة، منها ما هو مباشر ويأخذ شكل المواجهة الثنائية، ومنها ما قد يتسع ليصبح خلافاً دولياً حول قضية من القضايا. ومنها ما قد يوصف بأنه صدام طويل المدى يتعلق بالمصالح الاقتصادية الاستراتيجية لكلا الدولتين. أما معالم الصراع فتبرز في العديد من المناطق، من غرب آسيا إلى البلقان والقوقاز وصولاً إلى شمال إفريقيا وأوروبا، وصولاً إلى الوضع في جنوب شرق آسيا والعلاقة مع الصين وكوريا الشمالية.

صراع دائم مع بكين

وعلى جهة ثانية، تبدو العلاقة بين واشنطن وبكين أكثر سوءاً مما هو عليه الحال مع موسكو، فقد شهدت العلاقات الأمريكية الصينية توترات متزايدة خلال الأشهر بعدما أقدمت واشنطن على تعزيز الدعم العسكري الأمريكي لجزيرة تايوان الراغبة في الانفصال عن بكين، إضافة إلى ذلك زيارات كبار المسؤولين ومنها زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايبيه الصيف الماضي.

لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، أعلنت دعم قانون سياسة تايوان لعام 2022، الذي يوفر دعماً عسكرياً أمريكياً مستمراً لتايوان في مواجهة الصين.

ويشهد مضيق تايوان حالة من التوتر العسكري فاقمها الدعم الأمريكي. ويبدو أن اللقاء الذي تم بين بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ في نوفمبر الماضي، لم ينجح في تفادي تحول المنافسة بينهما إلى نزاع. وعلى الرغم من بعض التصريحات العلنية المتفائلة، تبقى العلاقات بين البلدَين مشوبة بالشكوك؛ إذ تخشى الولايات المتحدة أن تكون الصين قد صعدت جدولها الزمني للسيطرة على تايوان، فيما تخشى بكين من زيادة تهديد مبدأ الصين الواحدة.

بيلوسي العنيدة تبتعد عن الأضواء

في نهايات 2022، قررت نانسي بيلوسي، الرئيسة الديمقراطية النافذة لمجلس النواب في الكونغرس الأمريكي، ترك هذا المنصب في المجلس المقبل المنبثق عن الانتخابات النصفية التي جرت مؤخراً. وصرحت بيلوسي (82 عاماً)، الليبرالية التي لعبت دوراً رئيسياً في السياسة الأمريكية على مدار عقدين: «لن أترشح للإدارة الديمقراطية في الكونغرس المقبل»، في قرار جاء بعدما فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلس النواب. وقالت: «لقد حان الوقت لجيل جديد لقيادة الحزب الديمقراطي». وقالت بيلوسي إنها ستبقى في الكونغرس لتمثل سان فرانسيسكو، كما فعلت على مدار 35 عاماً.

وتعقيباً على الإعلان، أشاد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بنانسي بيلوسي، مؤكداً في بيان أنها «مدافعة شرسة عن الديمقراطية». وأضاف بايدن أنها «حمت ديمقراطيتنا من التمرد العنيف والدامي في السادس من يناير/ كانون الثاني» 2021، في إشارة إلى الهجوم على مبنى الكابيتول، مؤكداً أن بيلوسي هي «رئيسة مجلس النواب الأكثر أهمية في تاريخنا».

وأشاد بها أيضاً النائب الديمقراطي حكيم جيفريز، وهو أقوى المرشحين لخلافتها، ووصفها بأنها «رئيسة مجلس النواب الأكثر إنجازاً في التاريخ الأمريكي». وكتب يقول: «لقد كانت اليد الثابتة على المطرقة خلال بعض أكثر الأوقات اضطراباً مرت بها الأمة على الإطلاق». وصعود جيفريز المتوقع على نطاق واسع إلى القمة يجعله أول شخص أسود يقود حزباً في الكونغرس الأمريكي. لكنه سيكون زعيم الأقلية، وليس رئيس مجلس النواب. وكان الجمهوريون استعادوا أغلبية ضئيلة في مجلس النواب، الغرفة الدنيا بالكونغرس، في انتخابات التجديد النصفي، الأسبوع الماضي.

ديسانتيس يتأهب لزعامة الجمهوريين

باتت محاولة الرئيس الامريكي السابق، دونالد ترامب، للفوز بانتخابات الرئاسة في 2024، محاطة بالغموض والفرص المتراجعة، بعد توصية لجنة التحقيق البرلمانية في الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021، والداعية الى إطلاق ملاحقات جنائية ضده بتهم التآمر والعصيان والكذب. ووصفت نائبة رئيس اللجنة ترامب بأنه «عديم الأهلية لتولي أي منصب رسمي».

ولم تقف متاعب الرئيس السابق عند هذا الحد، فقد منيت محاولات ترامب الاستفادة من موجة حمراء هائلة في الانتخابات النصفية بانتكاسة كبيرة بعد سقوط معظم الشخصيات التي كان يدعمها في الانتخابات، كما تراجعت فرص ترامب كثيراً بعد دعوته الى التخلي عن الدستور في أحد خطاباته. وأصبح ترامب يمثل أحد مصادر الشؤم للحزب الجمهوري وقيادته، وباتت القيادات تسحب دعمها له وتتركه وحيداً في عزلته. وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، لارا براون، إن «ترامب رأى ايضاً عدداً كبيراً من كبار مانحيه يقولون علنا إنهم لن يدعموا ترشيحه في 2024».

وفي المقابل، أظهر استطلاع للرأي أن معظم الناخبين المؤيدين للحزب الجمهوري الأمريكي يفضلون حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، على الرئيس السابق، دونالد ترامب، كمرشحهم للرئاسة في عام 2024. وبينما اختار 56 في المئة من الناخبين المحافظين ديسانتيس، دعم 33 في المئة الرئيس السابق الذي أطلق حملته رسمياً لانتخابات الرئاسة.

ووجد الاستطلاع الذي أجرته جامعة سوفولك/ يو إس إيه توداي، أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يحظى بشعبية تفوق سلفه ترامب.

وقال ديفيد باليولوغوس، مدير مركز البحوث السياسية بجامعة سوفولك: «ديسانتيس يتفوق على ترامب ليس بين الناخبين عموماً فقط، ولكن أيضاً بين الناخبين من ذوي الميول الجمهورية الذين كانوا القاعدة الشعبية للرئيس السابق».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4uztxnf3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"