عادي
القضايا الفلسفية حمالة أوجه

«النسبوية» المعرفية.. حماقة ثقافية عارضة

17:39 مساء
قراءة 3 دقائق
القاهرة: الخليج
يواصل لاري لودان في كتابه «العلم والنسبوية مسائل خلافية أساسية في فلسفة العلم» (ترجمه إلى العربية نجيب الحصادي ومحمد أحمد السيد، وصدر عن المركز القومي للترجمة) أسلوباً في العرض كان أفلاطون قد دشنه منذ ثلاثة وعشرين قرناً، ثم استخدمه بركلي، ومن بعده هيوم، منذ ما يقرب من ثلاثة قرون، حيث توقف لأسباب مختلف عليها، ذلك أنه يعرض أهم تيارات فلسفة العلم المعاصرة، وأبرز الصعوبات التي تواجهها في شكل حوار يدور بين أربع شخصيات مختلفة، تناصر كل منها تياراً بعينه.
التيارات المعنية هي: الوضعية، النسبوية، الواقعية، البراجماتية، وهذه التيارات تعرض هنا في أبسط صورها، وكذا شأن الانتقادات التي توجه إليها، والاستجابات التي تؤمن رداً عليها، وعلى حد وصف مؤلف الكتاب فإنه «تحليل دقيق يصاغ بلغة غير اصطلاحية، لما تسمح فلسفة العلم الراهنة لنا بقوله، وما لا تسمح لنا به، فيما يتعلق بطبيعة المعرفة العلمية وحدودها».
  • بساطة
هكذا فإن هذا الكتاب، بلغته البسيطة وأسلوبه السلس، والأهم من ذلك إحجامه عن افتراض أية خلفية فلسفية، يفيد غير المتخصصين الراغبين في التعرف إلى أهم المشكلات، التي قاربتها فلسفة العلم المعاصرة، والدراية بما آل إليه هذا الفرع من فروع الفلسفة، في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، ولأنه لا يمعن في التبسيط، ولا يقع فيما يعرف بأغلوطة رجل القش، التي يعمد مرتكبها إلى صياغة حجج الخصم، على نحو يسهل من دحضها، فإنه مفيد حتى لأولي الاختصاص بوجه عام، ولطلاب مادة فلسفة العلوم في الجامعات بوجه خاص.
هناك أيضاً احترافية لا تخطئها العين في عرض القضايا، لا تشي فحسب بدراية مكينة بفحوى القضايا، التي تعني فلسفة العلم بالخوض فيها، بل تفصح عن قدرة فائقة على اختزال مواقف مركبة، في جملة من مبادئ وتعاليم يسهل فهمها، وإن ظلت تخلص لرؤى أصحابها، يتعين أحد المبررات التي يطرحها المؤلف لتفضيل أسلوب العرض الحواري في التصور الشائه، والسائد عند غير المختصين، حول وضع مجال فلسفة العلم في الوقت الراهن.
يشير الكتاب إلى أن ثمة نزوعاً شائعاً نحو إقرار أن الوضعية قد اندحرت مرة وإلى الأبد، وأن النسبوية قد حلت بديلاً عنها، هناك أيضاً اتفاق عام على أن النسبوية قد عملت على زعزعة الثقة، ربما دون أمل في استردادها، وتورطت في مفاهيم أساسية من قبيل التطور والموضوعية والعقلانية.
في المقابل يشكك لودان في كون هذا التصور للنسبوية مؤسساً على فهم واضح لوضع فلسفة العلم الراهن، رغم أنه – فيما يقول – لم يؤلف هذا العمل لمجرد تصحيح مسار تأويلي، المستهدف الأساسي منه إنما يتعين في الذين استخلصوا من فلسفة العلم، بسبب قصورهم عن فهمها، نتائج توظف في تفسير علل اجتماعية – سياسية لا تناسبها.
تعكس حقيقة أن الحوار الذي يتضمنه هذا الكتاب لا يسفر عن نتائج حاسمة، وإن بدت محبطة، كيف أن القضايا الفلسفية حمالة أوجه، إنه إذا كان لنا أن نتوقع أن يسهم الحوار الفلسفي في تقريب وجهات النظر، فإنه ليس لنا أن نتوقع أن يماهي بينها، القضايا الفلسفية خلافية بطبيعتها، وليست بغية الحوار الفلسفي الجيد إقناع طرف أطرافاً أخرى، بل عرض الرؤى في أقوى صورها، وتعريضها لامتحان النقد، وتحميلها عبء الإثبات في نهاية المطاف.
يشير الكتاب إلى أن هذا العرض الحواري، يُسهم في تنمية الوعي بالعلم، بالقضايا التي يثيرها، كما يجعلنا أقل تبجحاً في إصدار أحكامنا المعرفية، والنزوع إلى تبني روح ارتيابية، تعترف مسبقاً بأن حسم الأمور غاية، ليست مهمة أصلاً؛ لأن الأمور خصوصاً في السياقات الفلسفية، قد لا تكون قابلة للحسم.
دخلاء
يوضح مؤلف الكتاب أن الأشكال المتطرفة من النسبوية المعرفية، ليست مؤسسة على فهم واضح لوضع فلسفة العلم الراهن، ويقول كثيرون من منظري العلم بذلك، كونهم يرون كيف أن الدخلاء على العلم أساءوا فهم مجالهم، بأن النسبوية المعرفية مجرد حماقة ثقافية عارضة، تضاف إلى حماقات كثيرة، مآلها أن تذوي وتختفي من تلقاء نفسها.
لاري لودان مؤلف هذا الكتاب فيلسوف أمريكي معاصر ولد عام 1941، أستاذ فلسفة العلم، عمل رئيساً لقسم تاريخ فلسفة العلم، في جامعة بترسبورج، وعرف بنقده للوضعية المنطقية والمذهب الواقعي، والمذهب النسبوي.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3y2srb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"