دروس بمعنى الإنسانية

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

داخل كل منا صور عالقة في الأذهان، نربطها بشكل تلقائي بالواقع، ونعطي لكل مهنة صفات معينة ونجسدها في أشخاص، فحين تقول مثلاً للطفل ها هي الشرطة قادمة، لن يرى في مخيلته سوى رجال ببزات عسكرية رسمية، وجوههم متجهمة، وفي أيديهم سلاسل جاهزة للقبض على أي شخص أياً كان ما فعله، وتلك الصورة مرتبطة بشكل تلقائي ومباشر أيضاً في المخيلة بقضبان السجن، وربما القهر والتعذيب وما شابه.. تلك الصورة لم يُثبت عكسها أحد مثل جهاز الشرطة في الإمارات، حيث لا يخلع الشرطي إنسانيته على باب المؤسسة كي يرتدي القسوة مع ارتدائه الزي الرسمي.
لا تبحث عن الإثباتات والأدلة فهي كثيرة، إنما تستوقفنا اليوم حالة طغت فيها اللمسة الإنسانية على أي شيء آخر، فشكلت نموذجاً في منتهى الرقي والسمو، لا تقدر أن تعلم به دون أن تقدم له تحية تقدير وإكبار وشكر. 
مفاجئ ما قامت به الإدارة العامة للمؤسسات العقابية والإصلاحية في شرطة دبي، فطبيعي أن تجد فيها نزيلات تعاني كل منهن أزمات في حياتها الاجتماعية والأسرية، وأن تجد بينهن من تعيل أسرتها، فتجد وهي في السجن تعاطفاً مع أوضاعها ورأفة تعينها وترعى أسرتها، لكن ما فاق حدود الرأفة هو ما حصل حديثاً، حيث تكتمت نزيلة أرملة بسجن النساء في دبي، بأنها تركت أطفالها الثلاثة لوحدهم في المنزل بلا معيل وبلا كهرباء ومياه، خوفاً من أن تتسلمهم مؤسسات الرعاية، فتفصل كبيرهم البالغ ١٥ عاماً عن أخويه ١٢ عاماً و٩ أعوام، لكن القلق على صغارها منعها من التكتم طويلاً، فأبلغت الإدارة التي تحركت فوراً. 
الموقف الإنساني، هو ما فعلته شرطة دبي بالتنسيق مع إدارة حماية حقوق الطفل، حيث تولت شرطة دبي رعايتهم في بادرة إنسانية جديدة لها وبالتنسيق مع إدارة حماية حقوق الطفل بدائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، حيث قرروا عدم التفريق بين الأطفال الثلاثة، والحل الأمثل أن يتم تسليمهم لإحدى الأسر كي تحتضنهم.
 لم تنته القصة هنا، بل ما زادها ارتقاء بالنبل والإنسانية في تعاون مختلف الجهات المعنية لإيجاد حلول تساعد الأم وأسرتها في محنتها، فهو تطوع إحدى موظفات شرطة دبي لاحتضان الأطفال ورعايتهم «إلى حين خروج والدتهم من السجن، في حين تكفل قسم الرعاية الإنسانية في المؤسسات العقابية بصرف رواتب شهرية لهم، وسداد قيمة الإيجار المتأخر الفترة الماضية، وقيمة فواتير الكهرباء والمياه حتى انتهاء الأزمة».
تلك دروس حقيقية وواقعية بمعنى الإنسانية، ومعنى حماية الأطفال وحقوقهم وحماية الأسرة، في زمن يعلو فيه صوت النشاز محاولاً طمس القيم والأخلاق وتدمير الأسرة والأطفال.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5d7yxwhr

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"