عادي
كثير من القتال والتشويق.. قليل من الدراما

«أر أر أر».. ملحمة حقيقية في إطار من الخيال والأكشن

23:22 مساء
قراءة 6 دقائق

مارلين سلوم
خرجت 4 أفلام من إطار «بوليوود» لتصل بقوة إلى «هوليوود» وتثير ضجة فتصبح على القائمة الأولية للأفلام المرشحة للأوسكار في دورته ال 95 المقبلة، وأياً كان عدد ما تبقى منها للترشيحات النهائية، فإن هذا الاختراق يعتبر نجاحاً مميزاً وليس مستغرباً لأفلام هندية من ألفها إلى يائها، وليست أعمالاً مشتركة أو هندية بروح أمريكية؛ «أول ذات بريذس»، «ذا إليفينت ويسبررز»، «لاست فيلم شو» و«أر أر أر» (الذي يرمز إلى «صعود، صخب، ثورة») أفلام طرقت أبواب هوليوود ولفتت الأنظار واستحقت جوائز من مهرجانات عدة، ولم يبق منها في التصفيات النهائية للأوسكار سوى «أر أر أر» المرشح عن أفضل أغنية أصلية؛ فيلم يستحق المشاهدة، تعرضه حالياً «نتفليكس» وقد عرض في الصالات عالمياً ونال جوائز من مهرجانات عالمية.

الصورة

«صعود، صخب (أو زئير)، ثورة» ملحمة يصعب وصفها بالوطنية فقط، فالكاتب والمخرج إس إس راجامولي اختار أن يمزج بين القضية الوطنية والثورة الشعبية والغضب والانتقام من جهة، والمشهد الغنائي الاستعراضي من جهة ثانية، واضعاً بصمة بوليوودية خالصة، منحت الفيلم فرصاً كبيرة لنيل إعجاب الناس والفوز بجوائز عدة (49 جائزة حتى كتابة هذه السطور)، من ضمنها ما حصلت عليه الأغنية الأهم والأجمل في الفيلم «ناتشو ناتشو» والتي حازت مجموعة جوائز، منها الجولدن جلوب، وها هي تنافس على جائزة أفضل أغنية أصلية في الأوسكار.

الصورة

راجامولي استلهم من حياة بطلين حقيقيين واجها بجرأة تعنت الاحتلال البريطاني في الهند عام 1920، قصة وضعها في إطار يعتمد على الخيال والأكشن، مضيفاً إليه لمسات بوليوودية، حيث لم يخرج راجامولي عن إطار المغالاة في الأكشن التي اشتهرت بها السينما الهندية، لكنه عمل بشكل احترافي أكثر، موكلاً مسؤولية مشاهد الأكشن وتنفيذها للمخرج الهوليوودي المشهور بتصميم وتنفيذ الأكشن والمعارك في السينما الأمريكية نيك باول (تألق في «جلادييتر» و«ذا لاست ساموراي»..) والذي حصد عن هذا الفيلم «أر أر أر» جوائز عدة عن فئة أفضل إثارة وتشويق؛ في المقابل قلل راجامولي من جرعة البكاء والنحيب في الدراما، فارداً مساحة لا بأس بها للأغنية والاستعراضات، ما أضاف رونقاً وبهجة على الفيلم؛ ولك أن تتخيل جمال التصوير الذي اعتمد فيه المخرج على اللقطات البعيدة والتصوير الخارجي الطاغي وخصوصاً التصوير من فوق: أزياء، ألوان، تصميم رقصات (كوريجرافي)، استعراض، موسيقى، ألعاب نارية، لوحات مبهرة تبهج الجمهور رغم ما في القصة من عنف وقتال وحروب وصراعات.

الصورة

لمسة من البهجة

القصة كتبها راجامولي بالتعاون مع صديقه فيجايندرا براساد (حوار ماداف بورا)، تناولا فيها قصة المناضلين راجو وبيم، ورغم عشق راجامولي للميلودراما وطبيعة حياة الشخصيتين الرئيسيتين ونضالهما المستميت والصعب ضد ممارسات الاحتلال البريطاني، والظلم الذي عرفه شعبهما في ذلك الوقت، إلا أن براسادا وراجامولي أضافا لمسة من البهجة بهدف منح الجمهور الأمل وإظهار روح التفاؤل والإصرار والمقاومة وحب الحياة التي عرفها وتمسك بها البطلان. الحقيقة والخيال يلتقيان لتجسيد معنى التضحية من أجل الحرية، والوفاء والأخوة قي وجه الاستغلال والاستعمار.

بصوت غنائي عذب لفتاة صغيرة تغني بلا موسيقى وهي ترسم وشماً على يد سيدة بريطانية، ينطلق المخرج بأول مشهد، في مكان بعيد وكأنه غابة أو قرية، فجأة تقرر هذه السيدة كاثرين بوكستن (أليسون دودي) زوجة الحاكم البريطاني سكوت بوكستن (راي ستيفنسون)، حمل الطفلة مالي (توينكل شارما) معها إلى دلهي والاحتفاظ بها في قصرها كي ترسم الحنة وتغني لها ولصديقاتها البريطانيات كلما أرادت، مختطفة إياها من وسط أهلها وقبيلتها «جوند». لكن هذه القبيلة لها راع لا يهدأ ولا ينام قبل الاطمئنان على أحوال كل فرد من رعيته، لذا يقرر الراعي بيم الذهاب إلى دلهي متخفياً من أجل استعادة مالي مهما كان الثمن.

في المقابل تعيش دلهي حالة من الغليان والغضب الشعبي خارج مركز الشرطة البريطانية، حيث يحرض أحد الثوار العمال على الاحتجاج، لكن خلف أسوار الشرطة مجندون من الشعب الهندي أيضاً وليسوا كلهم من البريطانيين، هنا تبدأ المواجهة الصعبة بين الثوار ورجال الشرطة، من يجرؤ على قمع «إخوته» وضربهم من أجل عيون المستعمر البريطاني؟ راجو (رام شاران) شاب هندي يعمل في خدمة الشرطة البريطانية، وحده الذي ينتفض من وسط رجال الشرطة وقادتها ليقفز فوق السور الحديدي ويبدأ في ضرب الثوار من أجل الوصول إلى قائدهم، هنا يقدم المخرج مشهداً يبدو استعراضياً أكثر منه واقعياً، يبدو فيه راجو جباراً بقوة خارقة لا يهزمه كل الرجال الذين يحاصرونه مهما بلغ عددهم، حتى ينتصر في النهاية ويقوم بتسليم قائد الثورة للبريطانيين، وهذه القوة الخارقة تستوقف قائد الشرطة البريطاني الذي يقول لأحد رجاله: «هذا الجندي يخيفني أكثر من هذه الفوضى».

تحقيق الهدف

يبدو راجو هندياً طامعاً بترقية إلى رتبة ضابط مميز، يضحي بأبناء بلده من أجل تحقيق هذا الهدف، ورغم صدمته بترقية ثلاثة من الجنود الإنجليز فقط رغم كل ما قدمه من تضحيات، فإنه يواصل بذل المجهود من أجل إرضاء المستعمر الأجنبي، لذلك يتم تكليفه بملاحقة هندي يلقب بالراعي يبحث عن مالي لإعادتها إلى قبيلتها «جوند»، لا يعرفون عنه سوى هذه المعلومات القليلة، ولا أحد يعرف شكله ومواصفاته.

تأخذ الأحداث شكلاً آخر، حيث تنقلب المواجهة من مقاومة وطنية ضد الاحتلال، إلى مواجهة بين مواطنين من نفس البلد، أحدهما «خائن» لوطنه الهند يعمل لصالح المستعمر، والآخر ليس هدفه مواجهة الاحتلال دفاعاً عن الوطن، بل هدفه محصور بتحرير الطفلة من عبودية سكوت وزوجته وإعادتها إلى والدتها. إنه بيم (إن تي راما راو جونيور) الذي يقدمه لنا المخرج شبيهاً بطفل الغابة وطرزان، الرجل الخارق الذي يتحدى النمر ويتمكن من إخضاعه لإرادته، فائق السرعة في الركض، يتحمل أصعب الظروف والتحديات، ينتحل شخصية شاب يصلح العجلات اسمه أكتار، ويعمل مع أبناء قبيلته في دلهي لمعرفة مكان مالي.

يفتعل المخرج حادثة اشتعال قطار وسقوطه في النهر أثناء وجود طفل وحيد يحاول اصطياد السمك وسط المياه، فتحاصره النيران من كل اتجاه؛ المشهد هوليوودي بوليوودي لا تبحث فيه عن المنطق ولا عن الواقعية، فهو مشهد بطولي بهلواني يصادف فيه وجود البطلين في نفس المكان ونفس اللحظة، فيتعاونان بالإشارة ومن دون سابق معرفة، ويتحاوران بلغة العيون فيتدليان من جانبي الجسر كل منهما مربوط بالحبل لينقذا الطفل، مشهد تخطى بطولات توم كروز في «المهمة المستحيلة» وفان ديزل في سلسلة «فاست أند فيريوس»، وجاء أشبه بلقطة من سيرك عالمي!

3 مسارات

من هنا تبدأ قصة صداقة بين الرجلين، لذا يمكن القول إن الفيلم الذي يتجاوز الثلاث ساعات، يتجه في 3 مسارات كما عنوانه، مسار تصاعد الأحداث في انتفاضة الشخصيات كل يتجه نحو تحقيق هدف ما، مسار يبرز فيه الغضب والمواجهة بين الصديقين، ثم مسار الوحدة والبطولة الوطنية؛ راجو وأكتار يلتقيان ويعيشان قصة صداقة جميلة ونعرف معهما مراحل من البهجة والقصص العاطفية حيث يقع أكتار في حب الحسناء البريطانية جيني (أوليفيا موريس) ابنة شقيق الحاكم سكوت، ويدخل القصر بعد دعوتها له إلى الحفل الراقص، حيث يُمتعنا المخرج بأجمل المشاهد بأغنية استعراضية طويلة، «ناتشو ناتشو» التي تعتبر نقطة تميز بحد ذاتها في الفيلم، وتستحق الجوائز خصوصاً للحن والرقص المتميز للبطلين وطول مدتها وسرعة إيقاعها وكم الحيوية والحياة فيها. هناك طبعاً قصة حب أخرى تربط راجو بابنة عمه سيتا (عليا بات).. راجو لا يكتشف أن أكتار هو نفسه بيم الذي يبحث عنه إلا متأخراً، فتتوالى الأحداث والمفاجآت التي نكتشفها لاحقاً عن هذا الخائن - البطل، ولن نتطرق إليها لكيلا نحرق متعة المشاهدة والمفاجأة.

برع المخرج في استخدام التقنيات الحديثة في مشاهد كثيرة خلال المعارك، مشاهد تفوق في المغالاة بطولات شخصيات مارفل ودي سي الخارقة، وفي عز قتال بيم وراجو ومواجهة كل منهما لوحده أو مجتمعين معاً قوات الاحتلال، لا يسعك إلا الضحك في لقطات لا تمت إلى الواقع بصلة، ولا يمكن تصديقها، كما لا تفهم لماذا يقرر المخرج تحويل مشهد تعذيب أكتار أي بيم بقسوة وعنف إلى مشهد غنائي؟ علماً أنه أراد من خلاله التدليل إلى شدة ما عاناه البطل، ومعنى الفداء والتضحية بالذات، والذي يجسده راجو أيضاً، إنما بشكل مختلف. من جهة أخرى يستخدم المؤلف الكثير من الرموز، لكنه يقدمها بشكل مباشر وصريح، مثل رمز الماء والنار ويجسدهما بالبطلين الواقفين على طرفي الصراع.

استخدام التقنيات

برع المخرج في استخدام التقنيات الحديثة في مشاهد كثيرة خلال المعارك، مشاهد تفوق في المغالاة بطولات شخصيات مارفل ودي سي الخارقة، وفي عز قتال بيم وراجو ومواجهة كل منهما لوحده أو مجتمعين معاً قوات الاحتلال، لا يسعك إلا الضحك في لقطات لا تمت إلى الواقع بصلة، ولا يمكن تصديقها، كما لا تفهم لماذا يقرر المخرج تحويل مشهد تعذيب أكتار أي بيم بقسوة وعنف إلى مشهد غنائي؟ علماً أنه أراد من خلاله التدليل إلى شدة ما عاناه البطل، ومعنى الفداء والتضحية بالذات، والذي يجسده راجو أيضاً، إنما بشكل مختلف. من جهة أخرى يستخدم المؤلف الكثير من الرموز، لكنه يقدمها بشكل مباشر وصريح، مثل رمز الماء والنار ويجسدهما بالبطلين الواقفين على طرفي الصراع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mfvzz8kn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"