عادي

شعبان.. شهر رفع الأعمال إلى الله

22:12 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيونى الحلواني

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحتفي بشهر شعبان، وقال في شأنه «ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ»، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفي بهذا الشهر؟ وكيف كان يتعبد فيه؟ وما المرغوب والمستحب من العبادات والطاعات به وفقاً لما صح عنه صلوات الله وسلامه عليه باعتباره القدوة والمثل لنا في العبادات والطاعات؟

يوضح د. نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، فضل شهر شعبان فيقول: اقتضت حكمة الله وإرادته أن يجعل لعباده مواسم للخير يكثر الأجر فيها، رحمةً بهم ومكافأة لهم، ولما كان رمضان شهر البركات والنفحات، كان شعبان خير مقدمة له، فكان الصوم في شعبان بمنزلة السُّنَّة القبلية في صلاة الفريضة، فإنها تهيئ النفس وتنشطها لأداء الفرض.

الصورة

ويضيف: النبي صلى الله عليه وسلم، كان يكثر من الصوم في شعبان، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ». وفي هذا دليل على أنه كان يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره. كما أن السلف الصالح كانوا يجتهدون فيه في العبادة، استعداداً لاستقبال شهر رمضان، وفي هذا المعني قال أحد العلماء: «رجب شهر الزرع، وشعبان شهر سقي الزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع».

وعن الحكمة من كثرة الصيام في شعبان، يقول د. عياد: بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من كثرة صيامه فيه عندما سأله أسامة بن زيد، رضي الله عنهما: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

وعن حقيقة رفع أعمال الإنسان إلى الله في شهر شعبان في ظل وجود حديث نبوي آخر يؤكد رفعها يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع يوضح د.عياد أنه لا تعارض، فترفع الأعمال أسبوعياً في هذين اليومين وسنوياً في شعبان، والمرغبات في عمل الخير كثيرة ومتنوعة، وعلى الإنسان أن يستفيد منها جميعاً.

وليلة النصف من شعبان، كما يقول د. نظير عياد، ليلة مباركة خصها رسول الله، صلى الله عليه وسلم بالعبادة، فقال: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر». وفي هذه الليلة تحولت القبلة.

غير مستحب

يقول د. صبري عبدالرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر عن حكم صيام شعبان كاملاً: ليس من المستحب ذلك، فالله سبحانه وتعالى رحيم بعباده وهو القائل في كتابه العزيز:«ما جعل عليكم في الدين من حرج» ولذلك كانت التكاليف الدينية كلها في مقدور الإنسان، وما شق عليه سقط عنه، أو تأجل لوقت يكون فيه أكثر استعداداً كما هو الحال في صوم المريض والمرأة الحامل.

ويضيف: رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، لم يصم شعبان كاملاً، ولو كان مرغوباً لصامه كله، ولو تأملنا حديث السيدة عائشة عن صوم الرسول في شعبان لأدركنا ذلك، فقد قالت، رضى الله عنها، «كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم يصوم حتى نقول لا يُفْطر، ويُفْطر حتى نقول لا يصوم» ولا بدَّ من وجود أمر مهم وراء هذا التَّخصيص من الصيام في مثل هذا الشهر، وهذا ما نبَّه عليه النبي صَلَّى الله عليه وسَلَّم بقوله: «إنَّه شهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله تعالى». إذاً فأعمال العباد تُرْفع في هذا الشهر من كل عام وتعرض يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.

وعن فضل أداء مناسك العمرة في شعبان التي يحرص الكثيرون عليها، يقول: هذا أمر طيب، فالعمرة من جملة العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، وكل العبادات والطاعات مرغوبة في شعبان، عليها أجر كبير لمن وفقه الله على أدائها، لكن لم يثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه اختص هذا الشهر بالعمرة، أو رغب في أدائها فيه.

أفضل الأدعية

د. محمود الصاوي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، يؤكد أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خص شعبان بأدعية معينة سوى دعاء دخول الشهر: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ».

وينصح بأن يدعو كل إنسان بحاجته، موضحاً أن حاجات عباد الله مختلفة ومتنوعة، وأنه طالما صاحب الدعاء إخلاص وثقة في عون الله، وكان الإنسان ممن يُطب مطعمه، أي يتجنب الحرام في طعامه وشرابه، سوف يقبل الله دعاءه، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة».

ويقول: نحن جميعاً في أمسِّ الحاجة إلى الأدعية المصحوبة بالأمل في هذه الأيام المباركة، خاصة أن العالم يشهد حروباً وكوارث عديدة ألمَّت بإخوان لنا خاصة في سوريا وتركيا، وفي مثل هذه الظروف نحن في أمسّ الحاجة إلى اللجوء إلى الله، وأن يصاحب الدعاء الصادق عمل وسعي جاد لتغيير واقعنا، فالإسلام دين توكل لا تواكل، وكل إنسان مطالب بأن يعمل ويجتهد ويكافح ثم يدعو الله بحاجته.

ويشدد على ضرورة أن يكون الدعاء خالصاً لوجه الله، صادراً من نفس طائعة راضية بقضاء الله وقدره ليجد استجابة من الخالق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/68umnw26

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"