عوامل تحدد التوقعات

22:02 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

هل نتذكر الدراسات حول «البريكس» التي ضمت الاقتصادات الكبيرة ذات المستقبل الواعد، أي البرازيل روسيا الهند والصين، وهنالك من أضاف إليها دولة جنوب إفريقيا، لتعميم النجاح على معظم الكرة الأرضية.

«البريكس» في وضع لا يحسد عليه وجائحة «كورونا» ليست السبب الوحيد، بل الحرب الأوكرانية، وغيرها. توقعات صندوق النقد الدولي تخطئ كغيرها، لكن العالم ينظر إليها كمؤشرات مهمة. وقال حاكم المصرف المركزي الهندي السابق «ريدي» إن مستقبل الهند دائماً متقلب وصعب التنبؤ، لكن الماضي أيضاً غير مفهوم، ما يشير إلى أن التفسيرات السابقة لا تظهر الحقائق بسبب السياسة وتنوع الهند العميق.

وليس هنالك عامل واحد قوي يمكن أن يغير المسيرة الاقتصادية للدول. فتطور أي اقتصاد هو آني وليس دائماً. والنمو السليم المتواصل هو استثناء، وليس القاعدة. والأزمات والتقلبات هي المسيرة الطبيعية، وهذا ما تشهد عليه كل الفترات الطويلة. والمطلوب من الذين يتنبأون أن يقتنعوا بأن المستقبل لن يكون كالماضي. المطلوب في كل الدول تحقيق النمو المتوازن، وليس بالضرورة النمو القوي المتواصل.

ما هي العوامل التي يمكن أن تشير إلى التطور المستقبلي لأي اقتصاد من دون أن تحدد النسب المئوية للنمو، أو الركود؟ هنالك العوامل الاجتماعية أي التطور السكاني كما السياسي والجغرافي. ونسبة النمو تعادل نمو السكان، زائداً الإنتاجية. ومن السهل معرفة الأولى بدقة لكن الإنتاجية معقدة وترتبط بعوامل عدة، منها التكنولوجيا والتربية والقوانين والمؤسسات، وغيرها. وعلم السكان متعلق بتوزع العمل على النساء والمسنين وأصحاب القدرات المحدودة والمهاجرين والآليات. وعلوم الإنسان وأسباب زيادة، أو نقص العدد مرتبطة بالصحة والطب والقوانين، وبالتالي تختلف بين الدول. هل السياسيون مقتنعون بالإصلاح والتطور، أم ما يهمهم هو الحفاظ على مصالحهم فقط، حتى على حساب الشعب؟ وفي الجغرافيا، إلى أي حد تتوافر العوامل المؤثرة كالمطارات والمرافئ وسكك الحديد والطرق الحديثة؟

هنالك العوامل الاقتصادية، أي التضخم والنقد والدين العام والعدالة الاجتماعية والاستثمارات. والمطلوب تجنب سقوط النقد وما يتبعه من تضخم بسبب ارتفاع أسعار الواردات، ما يؤذي الفقراء وأصحاب الأجور والطبقات الوسطى. وتجنب الفوارق في الدخل والثروة أساسي ويؤثر كثيراً في الاستقرار الاجتماعي. والمطلوب أن ترتفع الاستثمارات في الاقتصاد إلى ما بين 25 و30% من الناتج، ما يسمح بتطوير البنية التحتية كما الفوقية. والدين العام بالنقد الصعب هو دائماً مشكلة، إذ ارتفع في بعض الدول إلى حدود مقلقة، أي فوق 90% من الناتج.

أما العوامل الثقافية والتاريخية فهي تميز الأوطان، أي هنالك دول تقوم بالإصلاحات بهدوء لاقتناع السياسيين والسكان بها. وهنالك دول أخرى لا تنفذ فيها الإصلاحات إلا بعد خضّات كبرى، وربما ثورات عنيفة، أو وربما تفرض تدخل المجتمع الدولي لتحقيقها. وهنالك دول تتعلم من تاريخها، أو حتى تاريخ الغير لتجنّب الخضّات والقيام بالإصلاحات الضرورية. وكل دولة تمر بفترات صعود وانحدار، لكن المهم ألا تطول فترات السقوط، ويأتي النمو، وثم التنمية.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yy5s7272

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"