مواجهة ظلم الفقر

22:05 مساء
قراءة دقيقتين

د.لويس حبيقة*

هل تستطيع الحكومات معالجة موضوع الفقر الممتد عالمياً وكيف؟ معظم الحكومات تحاول تخفيف الفقر مباشرة أي مساعدة الفقراء أنفسهم مادياً ومعنوياً وتأمين الحاجات الأكثر أهمية لهم كالطعام والدواء والملبس. نعلم أن هذا لا يكفي لأن الفقر أوسع وأسبابه تتخطى المادة لتصل إلى المواضيع النفسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. يجب أن تتعدى السياسات المطبقة، المعالجة المباشرة للفقر لتصل إلى أمور أخرى. يمكن مثلاً معالجة كل ما يسبق الدخول إلى عمليات الإنتاج والعمل والأعمال أي معالجة الخلل القائم في قطاعات الصحة والتعليم والغذاء وهي الأصعب. مستوياتها عموماً مهترئة في الدول النامية والناشئة وحتى في بعض الدول الصناعية.

من الممكن معالجة موضوع سوق العمل والعمالة مباشرة، أي مستويات الأجور التي لا تلحق بالتضخم كما تحرير التجارة من القيود الاصطناعية التي تؤخر وصول السلع الجيدة إلى من يحتاج إليها. كما تنضم إلى هذه المجموعة مواضيع البحث والتطوير التي ترفع مستويات الحياة في المجتمع ليس فقط علمياً وإنما خاصة فكرياً وحضارياً واجتماعياً. هنالك سياسات يمكن أن تطبق بعد مراحل الإنتاج وهي مهمة. ترتبط بالإنفاق العام في قيمته وتوزعه على القطاعات والمناطق والسكان. ترتبط بتشكيلة الضرائب الموضوعة على الثروة والدخل والتي تساهم في تمويل الإنفاق وتحسين الأوضاع الاجتماعية. من الصعب أحياناً معالجة مواضيع فجوات الدخل والثروة مباشرة وبشكل فاعل. لذا لا بد من تحديد الأهداف بدقة. هل يجب مثلاً البدء بمعالجة أوجاع ال 10% الأكثر فقراً ثم التوجه تدريجياً إلى الأقسام الأعلى؟

إن معالجة أوضاع الأكثر فقراً تختلف عن معالجة المجموعات الأخرى ليس فقط في المحتوى وإنما أيضاً في التوقيت والسرعة. من الأفضل أن تتجه السياسات التطبيقية إلى المجموعات المختلفة تبعاً للحاجات والإمكانات. من النتائج الخطيرة أيضاً للظلم الاجتماعي ارتفاع البطالة وغياب فرص العمل الجيدة وتفاقم القلق بشأن المستقبل. كلها سببت التغييرات المقلقة في الأمن والسياسات العامة المتطرفة. لذا المطلوب من الحكومات بالإضافة إلى ما سبق عمل الممكن لإعادة الحياة إلى أسواق العمل. ضروري أن نرى من جديد فرص العمل الجيدة التي طورت الاقتصاد العالمي وجعلت البحبوحة تمتد إلى كل بقاع الأرض خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.

وكما نشجب التطرف اليميني واليساري الجديد، لا بد أن نرفض أيضاً السياسات الاقتصادية المتطرفة التي طبقت على مدى عقود ووسعت الشرخ في كل المجتمعات. الغضب تجاه سوء العدالة ليس فقط مادياً وإنما أيضاً سياسي واجتماعي. نعلم جميعاً أن الغنى المادي يترافق في أكثرية الأحيان مع سيطرة سياسية تظهر جلياً في الممارسات والقوانين والاستثمارات الداخلية والخارجية. مواضيع الظلم وتوسع الفجوات ليست فقط مادية، بل أيضاً سياسية إدارية أخلاقية تجعل من إمكانيات المعالجة أصعب وأدق وتطول كثيراً. لا بد أن يتغير دور القطاع العام مع هذه الوقائع الخطيرة وتتم محاربة الفساد بقوة. لا شك أن «كورونا» والحرب الأوكرانية عقدتا كل المواضيع الاجتماعية والإنسانية.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwrrabvn

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"