موازنات تعالج الخلل

23:03 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

من أهم الوثائق التي تصف وضع أي دولة هي الموازنة. وتحصل صراعات حولها في أعرق دول العالم، وشاهدنا إقفال إدارات عامة في العديد من الدول، بينها الولايات المتحدة، بسبب الخلاف على الأرقام. إحصاءاتها السنوية أي توقعات الإنفاق العام والإيرادات توجه اقتصاد الدولة خلال سنة كاملة. وكل سياسات الدولة تصب في الموازنة عبر فصولها المرتبطة بالمؤسسات والوزارات لتلبي حاجات المواطنين، وفي الوقت نفسه تضع خطوط تحصيل الإيرادات عبر الضرائب والرسوم وغيرها والتي تمول الإنفاق.

الفارق بين الإنفاق والإيرادات يشكل العجز المالي الذي يتراكم في حساب الدين العام. وهنالك دول قليلة تحقق فائضاً في حساباتها، أي أن إنفاقها يكون أقل من الإيرادات، وهذه نعمة، لكنها يمكن أن تشير أيضاً إلى إيرادات لا تستثمر في الاقتصاد للمصلحة العام.

 في لبنان، الحاجات كبيرة، والتمويل لا يكفي، لذا نتكلم من دون تردد عن عجز يتقلب من سنة إلى أخرى. ولا بد من معالجة تراكم العجز، أي وضع الدين العام الذي يؤثر في الفوائد. فالأوضاع المالية والاقتصادية الحالية المتعثرة تنعكس سلباً على سعر صرف الليرة من دون أن نهمل الرؤية الشعبية التشاؤمية.

 لا أحد راض، عن الموازنات المتلاحقة والأسباب مختلفة. وفي ظل ظروف خانقة كالتي نعيش فيها، لا ينفع إلا الإنفاق السخي لإحداث نمو قوي يخفف البطالة ويرفع مستوى المعيشة، لكن الإمكانات المالية غير موجودة، والديون الحالية خانقة في الحجم والخدمة. ورفع نسب الضرائب في ظروف انكماش مضر، لأن اللبنانيين غير قادرين على تسديد المتوجبات الحالية، فكيف بزيادتها؟ نعاني أيضاً من نوعية الخدمات التي تزداد سوءاً، أهمها الكهرباء والاتصالات والنقل. وعملياً نتنازع على القليل الموجود في ظل غياب تام للرؤية المستقبلية التي كان من المفروض أن تكون فاعلة. والرؤية الخمسية مهمة كي نستطيع اتخاذ القرارات الصائبة. وفي غياب الإنفاق الكافي ومع رفع النسب الضرائبية وتردي الخدمات المختلفة، لا نجد من يحسدنا على وضعنا. لكن لا يمكننا كمجتمع أن نقف ونتفرج ولا بد من عمل الممكن، بل أكثر للإنقاذ.

من أصعب السياسات العامة وضع موازنة في وضعنا الحالي، إذ ينهار الاقتصاد ضمن إمكانات متواضعة تجعل الإنقاذ صعباً. وفي وضعنا الحالي أي عندما تعاني أي دولة من ركود وبطالة مرتفعة واقتصاد جامد وتضخم وإدارة غير فاعلة مضربة يعشعش فيها الفساد، لا بد من تفعيل الإنفاق لتحريك الاقتصاد حتى قبل الإصلاحات. وكتب الاقتصادي «جون ماينارد كينز» في 1936 أن زيادة الإنفاق ينشط الاقتصاد، ما يسمح بتحصيل الضرائب لاحقاً وتسديد الديون.

 وفي لبنان اليوم، نحتاج عملياً إلى زيادات كبيرة في الإنفاق على كل الأمور، الاجتماعية والاستثمارية، في وقت يعجز المواطن عن تسديد أبسط الضرائب، بل لا يستطيع حتى القيام بواجباته العادية تجاه نفسه وعائلته. نعاني في لبنان من مستويات نمو وتنمية متدنية مع حاجات عامة كبيرة وإمكانات متواضعة ما يعزز القلق الشعبي تجاه الحاضر والمستقبل. 

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/7yx6e2d4

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"