عادي

أبواب التوبة لا تغلق أمام المخطئين

23:03 مساء
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

كان هدي النبي إذا أتى العاصي تائباً معترفاً بالذنب أسقط عنه. روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لو لم تُذنبُوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يُذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم».

يذكر أنه في كتاب السيرة النبوية، لأبي محمد عبد الملك، في قصة توبة كعب بن مالك وصاحبيه، الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، قال كعب: فبينما أنا فوق بيت من بيوتنا، وقد أخبر الناس صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا، ركض رجل على فرس، وانطلق نحوي ليُبشرني، وركض رجل آخر، فارتفع على جبل سلع، ونادى بأعلى صوته: أبشر، يا كعب بن مالك، فخررت لله ساجدا، قال: فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني خلعت ثوبي، فكسوته إياه ببشارته، والله ما عندي ثوبان غيرهما، ثم استعرت ثوبين، وذهبت إلى رسول الله قال: والناس فوجاً فوجاً يهنئونني، ويقولون: لنهنئك توبة الله عليك يا كعب، قال: فدخلت المسجد وقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني بالتوبة، ثم جاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يبرق وجهه بالسرور، وكان إذا سُرّ عليه الصلاة والسلام فكأنما فلقة قمر يتلألأ، فقال: أبشر، يا كعب بخير يوم منذ ولدتك أمك، قلت: أمن عندك أم من عند الله؟ قال: بل من عند الله، هكذا كانوا يفعلون مع التائبين لتطييب خاطرهم.

وإذا كان العاصي جاهلاً وارتكب المعصية وهو يظن جوازها تلطف النبي، صلى الله عليه وسلم، معه بالإنكار عليه ولم يعنفه، فعن معاوية بن الحكم السلمي، قال: «بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ عطس رجل من القوم، فقلت «يرحمك الله»، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: «واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟» فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما زجرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» رواه مسلم.

ومن هدي النبي، صلى الله عليه وسلم، مع العصاة والمذنبين مهما ارتكبوا من ذنوب، أن نفتح لهم أبواب الأمل والرجاء والطمع في رحمة الله وعفوه.

وعن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي؛ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: «مالك؟»، قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا. قال: اجلس. ومكث النبي، صلى الله عليه وسلم، فبينما نحن على ذلك أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، بعرق فيه تمر (والعرق المكتل الضخم) قال: أين السائل؟ قال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك.

وكان له، صلى الله عليه وسلم، أساليب جميلة ولطيفة وراقية يتعامل بها مع المخطئ، كان لا يسكت على الخطأ، لكنه أثناء معالجته لا يُشهّر بالناس ولا يفضحهم، ولا يُعيّر المخطئين، فإذا رأى الخطأ والذنب والتجاوز يكلم الناس ويقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ما بال أقوام... لم يقل فلان ولا آل فلان فعلوا كذا أبداً، ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ينكر الخطأ، والصحابة رضي الله عنهم لا يعلمون من المخطئ.

ومن أساليبه صلى الله عليه وسلم مع المخطئ أنه يقنعه يأتي إليه ثم يناقشه بهدوء وشفقة، فيقول له: لم فعلت كذا، ويقول له، صلى الله عليه وسلم، بالطريقة المثلى التي يجب أن تتبع، جاءه شاب جاهل يستأذنه في الزنا، مصيبة كبيرة من كبائر الذنوب فاحشة، كيف تعامل معه صلى الله عليه وسلم؟ هل ضربه؟ هل عيّره؟ هل طرده من مجلسه؟ قال: يا رسول اللهِ ائذنْ لي بالزّنا فأقبل القوم عليه فزجَروه وقالوا: مَهْ مَهْ فقال: ادنُهْ فدنا منه قريباً قال: فجلس، قال: أَتُحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يُحبونه لأمهاتهم، قال: أفتُحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يُحبونه لبناتهم، قال: أفتُحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يُحبونه لأَخواتهم، قال: أفتُحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يُحبونه لعماتهم، قال: أفتُحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. (السلسلة الصحيحة للألباني).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mzcrkres

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"