استراتيجية رد الفعل

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي  *

التفكير الاستراتيجي عِلم ضروري ومهم على المستوى السياسي، (الدول)، وعلى المستوى الجماعي (التنظيمات والأحزاب والهيئات والجمعيات)، وعلى المستوى الفردي (الأشخاص العاديين)، وتتقاطع جميع هذه الكيانات حتى لنربط بين مستوى حضور التفكير الاستراتيجي للفرد وأثره في الدولة والكيانات الأخرى. وحين نقول الفرد، يبرز الحديث عن المنهج التعليمي والتربوي، الذي سينعكس على الكيانات والتكتلات. 

 المسألة ليست معقدة، وإن بدت كذلك، لكن غياب هذا التفكير يجعلها معقّدة نظراً للتداعيات السلبية التي تتركها على المعنيين، وتتمظهر في خلل دائم في السياسات والمعالجات الاجتماعية والتنموية والوطنية، والتي يمكن جمعها في مفردة واحدة: التخلّف.

 العالم العربي في مجمله -مع وجود استثناءات- يعاني الأزمات السياسية ذاتها، منذ حصول الدول على استقلالها، أزمات داخل النظام الواحد الذي يظهر في عدم استتباب نظام الحكم، الذي يتغيّر باستمرار، عن طريق الانقلابات، أو التغييرات غير المدروسة، وإن شهد استقراراً فإنه الثبات غير المنسجم مع مكوناته الداخلية (الشعب والمؤسسات العامة والخاصة)، وهنا يمكننا مقارنة الأنظمة التي أطلق عليها البعض (الجمهوريات الملكية)، وبين الأنظمة الملكية، أو الأميرية، أو الأسرية، وجميعها تستند إلى الوراثة. وبالمقارنة بين مستوى التنمية التي حققتها دول «الجمهوريات الملكية»، مع الأنظمة الوراثية، سنجد أن الأخيرة حقّقت تنمية فائقة والأولى لا تزال تعاني التأخر، لسبب واحد هو التفكير الاستراتيجي التنموي الداخلي والتنموي الخارجي، وليس توفر الإمكانات. 

 ولو نظرنا خارج العالم العربي نحو الملكيات الأوربية، (بلجيكا، الدنمارك، السويد، بريطانبا)، وغيرها، سنجدها أيضاً قد حققت تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية، لم تحققها دول أخرى، كل ذلك نتيجة استتباب النظام السياسي ووضوح الرؤية ووضع الاستراتيجيات.

  لقد أخذنا الحديث إلى غير مقصده، لكنني سأقول مباشرة إن غياب التفكير الاستراتيجي عن الدول - لنقل دول الجوار المحيطة بإسرائيل- إضافة إلى غيابه عن الكيانات السياسية الأخرى، جعل الصراع الإسرائيلي العربي يمتد إلى أكثر من 75 سنة، بسبب عدم وضوح الرؤية والهدف، وهما عنصران أساسيان ضمن التفكير الاستراتيجي، وبقي العرب يتأرجحون بين فكرتَي الحرب والسلام، لسبعة عقود، من دون أن يختاروا السلام، أو الحرب، وهذا ينطبق على التنظيمات، ليست الفلسطينية وحدها، لكن العربية أيضاً، وبناء على ذلك فقد فضّلوا اتباع استراتيجية رد الفعل، وهي استراتيجية أضعف الإيمان، وتنم عن انعدام المبادرة وضبابية الرؤية والأهداف. لهذا، فهم منذ سبعة عقود يردّون على السياسات الإسرائيلية فقط، إضافة إلى أنهم لم يتّفقوا في أي يوم على موقف واحد، ولغة واحدة، وظهر هذا أيضاً في تعاملهم مع الأحداث التي ضربت العالم العربي منذ عام 2010.

 هذا النموذج بشقّيه، هو الأوضح لندلل على غياب التفكير الاستراتيجي، وينسحب هذا على الأفراد، ونراه في سوء التخطيط العلمي والثقافي والتنموي والاقتصادي والصحّي، وكل جوانب الحياة، ولا يتصرّفون إلا عند وقوع الواقعة، إن كانت صحية، أو مالية، أو اجتماعية. مثال على ذلك، نادرون من يخضعون لفحوصات طبية دورية وينتظرون حتى يصابوا بالمرض، وقِس على ذلك في الأمور الأخرى.

  وأرى أن إدراج مادة للتفكير الاستراتيجي في المناهج التعليمية والتربوية، يدرّسها اختصاصيون في التنمية البشرية والإنسانية، ستساهم في إعادة تشكيل العقلية العربية، وستظهر مخرجاتها في الجيل الأول، أما ترك الأمور خاضعة للصدف وسياسة رد الفعل، فلن يقود إلى عقلية ناضجة، تأخذ بالأسباب والتخطيط ثم التنمية الشاملة الجماعية والفردية، والحديث مترامي الأطراف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdz2szn7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"