عادي

«ريهام» وبقرة بني إسرائيل

23:19 مساء
قراءة 4 دقائق

«ريهام» فتاة صغيرة جميلة تبلغ من العمر 10 سنوات، كانت تجلس وسط أسرتها الصغيرة تشاهد التليفزيون، وكان يعرض أحد الأفلام العربية، فلفت نظرها مشهد لفرار بقرة كان الجزار يهم لذبحها داخل أحد المجازر، وظل الناس يجرون وراءها يميناً ويساراً، حتى وقعت أسيرة مرة أخرى بعد مجهود كبير، كانت ضحكاتها تعلو المكان على شكل الناس وهم يحاولون الإمساك بها، بينما كان يراقبها والدها في سعادة بما يراه من بهجة وفرح.

نظرت «ريهام» إلى والدها وقالت له: أريد الذهاب إلى المجزر يا أبي لأشاهد البقرة وهي تهرب، والناس يجرون وراءها كما حدث في الفيلم، ضحك الأب كثيراً ثم قال لها: ما حدث هو مشهد كوميدي في الفيلم يا حبيبتي، ولكنه لا يحدث في الحقيقة إلا في حالات نادرة جداً، لأنهم متخصصون في هذا الأمر، ومع ذلك، سنقوم برحلة إلى المجزر كما طلبتي لتشاهدي كيف يتم ذبح الأبقار هناك.

في صباح يوم الجمعة، وبعد أداء الصلاة، اصطحبها والدها إلى المجزر في جولة داخل أروقته، وشاهدت «ريهام» كيف يتم ذبح الأبقار وسلخها وختمها، في سعادة بالغة، وأيضاً في انتظار وترقب، ربما حدث الشيء النادر وهربت إحدى الأبقار التي يتم ذبحها، وهو ما لم يحدث بالطبع، لأن الأمر كما أخبرها والدها شبه مستحيل، لسيطرة العاملين بالمجزر على الأبقار، وكل شيء يتم بدقة متناهية.

وصلت «ريهام» مع والدها إلى البيت، بينما كانت الأم تعد طعام الإفطار، وكان عبارة عن لحم أبقار مشوي مع السلطات وغير ذلك، فقال الأب لصغيرته: هل أحكي لكي قصة عن البقرة لحين موعد أذان المغرب؟ فقالت «ريهام» نعم يا أبي.. إحك لي القصة. فقال لها أبوها: سأحكي لكي قصة بقرة بني إسرائيل، وهي القصة التي وردت في القرآن الكريم، في سورة البقرة، وتم تسمية السورة بهذا الاسم، وبسبب هذه القصة.

كان هناك رجل ثري من بني إسرائيل، وكان له ابن أخ فقير لا يقدر على العيش، ويريد الزواج من ابنة عمه، ولكنه رفض أن يزوجها له، فغضب كثيراً لرفض عمه من الزواج، وقرر أن يقتله ويأخذ ماله ويتزوج من ابنة عمه، فكر في حيلة ذكية، فاستدرج عمه بحجة أنه يحتاج إليه ليثق فيه تجار «سبط بني إسرائيل» ويقبلون التعامل معه، فخرج معه عمه في الليل، وعندما وصل إلى «سبط بني إسرائيل» قتله هناك، ليتهمهم بأنهم هم الذين قتلوه، وبذلك ينفي التهمة عنه أولاً، وثانياً لكي يطالبهم بالفدية، وبالفعل حدث ما كان يخطط له، ذهب إلى مكانهم في الصباح ليبحث عن عمه، فإذا بهم مجتمعون حول القتيل، فبدأ في الصراخ والعويل واتهمهم بقتله، وطالبهم بالدية، فاحتكموا إلى سيدنا موسى عليه السلام، فحكم بأن عليهم تقديم الدية.

فطلبوا من نبي الله موسى عليه السلام أن يدعو ربه حتى يبين لهم من قتل الرجل، فإن ما يهمهم ليس المال، ولكن لكي لا يعايرهم أحد بذلك، فقال لهم موسى عليه السلام: «{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}، قالوا له مستغربين: سألناك عن القتيل وعمن قتله، فتقول لنا: اذبحوا بقرة؟ أتهزأ بنا: {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}. فقالت له ريهام وهل ذبحوها يا أبي؟ فقال لها: لو كانوا ذبحوا أي بقرة لكانوا نفذوا ما قاله موسى عليه السلام لهم، ولكنهم صعبوا الأمر على أنفسهم وتشددوا فيه، فقالوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}. ومعنى (الفارض) هي البقرة التي لا تلد، و(البكر) هي البقرة التي ولدت ولداً واحدًا فقط، أما (العوان) فهي البقرة النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها.

وزيادة في التشديد على أنفسهم قالوا لموسى عليه السلام: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}، أي أن لونها نقي وتعجب من ينظر إليها وتلفت النظر إليها، فاستمروا في التشديد على أنفسهم فقالوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ، قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}.

وجاء تشديدهم على أنفسهم في مصلحة آخرين، وهي بدون شك حكمة من الله تبارك وتعالى لا يعلمها إلى هو، فقد وجدوا هذه المواصفات التي قالها سيدنا موسى عليه السلام في بقرة لغلام في بني إسرائيل كان بارًا بأمه، وكان يتيماً، فأرادوا أن يشتروها منه فرفض، حتى وصلوا معه الى أن يشتروها مقابل وزنها ذهباً، وهناك روايات مختلفة في هذه القصة، ولكنهم في النهاية ذبحوها وما كادوا يفعلون، ويقول الله تعالي: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُون* فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي بعد ذبحها قال: اضربوا بعضها ببعض فأنطق الله بإذنه القتيل وقال: قتلني ابن أخي، وهذه آية من عند الله، فظهرت براءة سبط بني إسرائيل.

ما رأيك يا صغيرتي في هذه القصة الجميلة عن البقرة؟ فقالت: إنها حقًا قصة جميلة يا أبي، أشكرك عليها، قالت الأم: هيا إلى المائدة، فلم يبق إلا دقيقتان على أذان المغرب، ولحم البقر المشوي في انتظاركما، صاحت ريهام في فرحة، هيا يا أبي، لحم البقرة في انتظارنا قبل أن يهرب، فضحك الجميع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/49dw7jas

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"