عادي
ذكرى رحيله توافق يوم العمل الإنساني

زايد.. فارس العطاء رسم سياسة خارجية تتسم بالاعتدال

01:00 صباحا
قراءة 7 دقائق

إعداد: جيهان شعيب

يوافق اليوم 19 رمضان، الذكرى السنوية لرحيل الأب مؤسس الإمارات دولة العطاء والكرامة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، الذي رحل من دار الفناء إلى دار البقاء، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، تاركاً إرثاً من الخير لا يمكن حصره، ومواقف عز وشموخ ومبادرات إنسانية نوعية، وأفعالاً راسخة في الأذهان، مثلت دافعاً لدولته الطيبة إلى مواصلة العلا.

الصورة

والراحل الكبير الشيخ زايد وإن كان غادر المكان، إلا أنه مقيم في القلوب إلى الأبد، تلك القلوب التي انطوت على مشاعر حقيقية، تجاه رجل قلما يجود الزمان بمثله، طيبة وخلقاً ورحمة وتواضعاً وإنسانية وصدقاً، وحكمة في بناء إدارة مجريات دولة قامت من الصحراء ووصلت إلى الفضاء، محققة حلمه الذي عبر عنه يوماً.

الصورة

جاء إحياء ذكرى الراحل الكبير في 19 رمضان، ليوافق احتفاء الدولة «بيوم زايد للعمل الإنساني» الذي تعبر من خلاله الدولة على الوفاء لإرث القائد المؤسس، وتؤكد الالتزام بنهجه في العطاء، الذي شمل المحتاجين والمنكوبين على مستوى دول العالم، فضلاً عن مناصرته الضعفاء، ومد يد العون للجميع دون تصنيف أو تفرقة، أو تغليب كفة فئة على أخرى.

الصورة

ويمثل العطاء لدى الأب زايد نبراساً أصيلاً، بدأه مع قيام الدولة في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول عام 1971، بتأسيس صندوق أبوظبي للتنمية، لإعانة الدول على الإسهام في مشروعات التنمية والنماء لشعوبها، ومن ثم أنشأ في عام 1992 مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، لمد يد الخير داخل الدولة وخارجها؛ حيث كانت الرحمة تتسيد كيانه الطيب، والعطف والرأفة يغلفان عطاءاته المتنوعة.

الصورة

الحكمة والرؤية

ولد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بمدينة العين عام 1918، ووالده هو الشيخ سلطان بن زايد الذي حكم إمارة أبوظبي من عام 1922 حتى عام 1926، ووالدته الشيخة سلامة بنت الشيخ بطي بن خادم بن نهيان آل حامد القبيسي، والشيخ زايد هو الابن الرابع بين إخوته، وله ثلاثة إخوة ذكور هم: شخبوط وهزاع وخالد، وأخت واحدة.

الصورة

كان الراحل الكبير يتمتع بسعة الصدر، والرؤية الثاقبة، ونفاذ البصيرة، وطول البال، وبشكل أساسي كان يتصف بالحكمة؛ حيث كان مستمعاً ومصلحاً ووسيطاً في حل النزاعات طوال فترة حكمه؛ لذلك لقب ب «حكيم العرب»، فضلاً عن تمتعه بجلد وصبر كبيرين، كما أدرك مبكراً مصاعب الحياة وقهرها، لأنه كان يمضي وقتاً كبيراً في أواخر فترة العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي بين رجال القبائل من البدو.

كما كانت لدى المغفور له الشيخ زايد، قناعة راسخة بأن تعزيز الانسجام الداخلي والتماسك والتلاحم الوطني بين أبناء شعبه، يحتاج إلى نسج خيوط الثقة مع المواطنين؛ لذا حرص كل الحرص على الالتقاء بهم والاختلاط بالمجتمع المحلي.

الصورة

مسؤولية الحكم

بالعودة إلى البدايات، فقد تولى الشيخ زايد منصب ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية عام 1946، وانخرط مبكراً بشكل مباشر في الشؤون الحكومية، وبدأ يمارس تجربته في الحكم من مدينة العين، وبعد نجاحه في إطلاق عجلة تطويرها في الخمسينات، على الرغم من قلة الموارد، تولى الشيخ زايد حكم إمارة أبوظبي في أغسطس/ آب عام 1966، ومن ثم بدأ يتطلع إلى الوحدة مع أشقائه في الإمارات المتصالحة، ليحقق الحلم الذي طالما راوده.

وفي يناير/ كانون الثاني من عام 1968، جاء الفرج عندما أعلن البريطانيون عن نيتهم الانسحاب من الإمارات المتصالحة، وعلى الفور عمل الشيخ زايد على تعزيز الروابط مع إمارات الساحل المتصالح، ووقف على وجوب إقامة كيان سياسي موحد، له كلمة مؤثرة ومسموعة في المحافل الدولية، ويمتلك القوة والقدرة على النهوض بواقع المواطنين.

الصورة

تأسيس الدولة

في العام نفسه، ومن دون تضييع الوقت، وتحديداً في 18 فبراير/ شباط 1968، اتفق المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، على تشكيل وحدة بين الإمارتين، وتنسيق الأمن والدفاع والخارجية، وتوحيد الجوازات بينهما، ووجها الدعوة إلى تشكيل اتحاد يشمل بقية الإمارات الخمس المتصالحة، إضافة إلى قطر والبحرين.

وبحلول عام 1971، مع اقتراب موعد الانسحاب البريطاني، اجتمع حكام الإمارات السبع المتصالحة، لبحث قيام الاتحاد، وفي 2 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، تم الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وضمت 6 من الإمارات المتصالحة وهي دبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، وفي وقت لاحق، انضمت إمارة رأس الخيمة إلى الاتحاد في 10 فبراير/ شباط 1972.

الصورة

وتقديراً لجهوده ودوره القيادي وحنكته، اختار أصحاب السموّ حكام الإمارات الشيخ زايد لرئاسة الدولة، وهو المنصب الذي أكسبه لقبه الدائم «الأب المؤسس»، ومن بعد قيام اتحاد الإمارات، وجه الشيخ زايد النظر والاهتمام إلى منطقة الخليج ككل، ورأى ضرورة تشكيل مجلس تعاوني؛ لتنسيق الجهود ومواجهة التحديات في المنطقة.

وفي عام 1967، عقد الشيخ زايد في أبوظبي أول اجتماع يتعلق بهذا الشان، مع المغفور له الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، وجرى خلاله التوقيع على صيغة تأسيس مجلس التعاون، في أول قمة ترأسها في أبوظبي يومي 25 و26 مايو/ أيار من عام 1981؛ وذلك للتنسيق والترابط بين دول الخليج الست، وصولاً إلى الوحدة، وفق ما نص عليه النظام الأساسي في مادته الرابعة.

الصورة

إنجازات باقية

تعددت إنجازات الشيخ زايد في المجالات المختلفة، ففي التعليم، منح المرأة حق التعليم، ونشر التعليم الإلزامي والمجاني، وأنشأ نظاماً تعليمياً قوياً يسهم في إبراز الهوية الوطنية الإماراتية، وصقل شخصيات الطلبة من خلال الأنظمة التعليمية التي يخضعون لها.

وأطلق مشاريع تعليمية وتربوية، ونظم بعثات علمية إلى الدول الأجنبية على نفقة الدولة، وأقر 4 مراحل تعليمية إلزامية، هي الروضة والابتدائية والمتوسطة والثانوية، كما وفر جميع الاحتياجات والمتطلبات لطلبة العلم في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب تعليم اللغات الأجنبية الإضافية للطلبة في المدارس، وإقرار نظام محو الأمية، ووضع خططاً متطورة في تعليم تكنولوجيا المعلومات، وغير ذلك.

الاهتمام بالبيئة

وفي مجال البيئة كان، طيب الله ثراه، يقول: «نحن الذين نعيش الآن فوق هذه الأرض مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا، والحياة البرية، وواجب علينا الوفاء لأسلافنا وأحفادنا على حد سواء»، وساهمت مبادراته التي أطلقها للمحافظة على البيئة والحد من مصادر تلوثها، في تعزيز مكانة الدولة كأحد أهم اللاعبين الدوليين في مجال التصدي للتحديات البيئية التي تواجه العالم، والعمل على تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين والمقيمين في الدولة، وحماية الطبيعة.

وعمل أيضاً على الحد من تداعيات التغير المناخي في المحيط الحضري، والنظام البيئي، وحماية الكائنات الحية، ومكافحة تلوث الهواء والماء، وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، وإنشاء المحميات الطبيعية ودعمها بما يلزم، ومن أهمها محمية جزيرة صير بني ياس، وتأسيس أول حديقة حيوان في العين لتكون ملاذاً آمناً للحيوانات، والمحافظة على الطيور من خلال تأسيس المركز الوطني لبحوث الطيور في عام 1982.

الصحة والعمران

وفي مجال الصحة ومنذ قيام الاتحاد، سعى الشيخ زايد إلى توفير الخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين فيها، ببناء شبكة متطورة من المستشفيات الحديثة، والمراكز الصحية النموذجية، التي تقدم خدمات تشخيصية وعلاجية ووقائية، إلى جانب عمله على زيادة أعداد الصيدليات والمستودعات الطبية ومراكز الرعاية الصحية ورعاية الأمومة، وهو ما أدى إلى أن تحتل الإمارات المرتبة الأولى بين ثماني دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في مجال الرعاية الصحية للمرأة، وذلك في عام 1997.

كما عمل الشيخ زايد على تسخير جميع الإمكانات المتاحة لتوفير الخدمات الصحية المتطورة، بمناطق الدولة النائية، وأمر بإنشاء الجامعات المعنية بتدريس الطب والعلوم الصحية في مختلف الإمارات، وقد افتتحت أول كلية للطب في جامعة الإمارات في مايو/ أيار عام 1984.

أما في مجالي العمران والزراعة، فقد أمر بإقامة العديد من المشاريع في شتى المجالات العمرانية، وأشرف على جميع المخططات، وأبقى على مواقع المساجد القديمة مع تجديدها في مكانها الأصلي، فضلاً عن المحافظة على النخيل والأشجار والزراعة والمعالم ذات القيمة التاريخية.

الزراعة

وفي مجال الزراعة استدعى مجموعة من الخبراء والمهندسين العالميين، وأخبرهم عن نيته في العمل على زراعة المحاصيل في الإمارات، وإنشاء الغابات والتوسع في زراعة النخيل، وتأسيس الحدائق والمتنزهات، لتصل الإمارات إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل الزراعية، فيما استقبل الخبراء هذا القرار ببعض الذهول والصدمة، فكيف لأرض قاحلة تشكو شح المياه أن تنتج محاصيل زراعية، وأخبروه بأن هذا الأمر مستحيل.

وعلى الرغم من رأي هؤلاء الخبراء، أصرّ، طيب الله ثراه، على تحدي الصحراء والبدء في تنفيذ المشروع، مستخدماً أحدث أساليب تهيئة الأرض وشبكات الري، فضلاً عن توفير أجود أنواع الأسمدة وإنشاء البيوت البلاستيكية، واستيراد الشتلات والبذور، كما كان حريصاً على توعية المواطنين بأهمية الزراعة ووفر لهم أراضي مجانية مع كافة الإمكانات التي تساعدهم على أن يباشروا مشروع الزراعة، وأتى هذا الجهد الكبير بثماره، وانتشرت في الدولة الأراضي الخضراء، وزراعة النباتات والأشجار، وخيارات كثيرة أخرى من المحاصيل الزراعية، وقد أعقب ذلك تصدير الدولة ألذ أنواع التمور والرطب.

سياسة خارجية تتسم بالاعتدالأسس المغفور له الشيخ زايد على الصعيد العالمي، سياسة خارجية تتسم بالاعتدال والتوازن ومناصرة الحق والعدالة، وتغليب لغة الحوار والتفاهم في معالجة القضايا، وبفضله اكتسبت الإمارات سمعة دولية متميزة في العمل الإنساني والخيري، فيما دعم، طيب الله ثراه، كلاً من مصر وسوريا في حرب أكتوبر عام 1973 لتحرير الأراضي العربية المحتلة، بقطع واردات النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، وسجل التاريخ مقولته الشهيرة «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي».

أما على المستوى الإنساني، وفي قطاع المساعدات الخارجية، تحتضن الإمارات أكثر من 40 جهة مانحة ومؤسسة إنسانية وخيرية، تغطي مساعدتها دول العالم والشعوب المحتاجة والمتأثرة، فيما بلغت قيمة المساعدات التنموية والإنسانية التي تم توجيهها من الإمارات في الفترة من عام 1971 حتى 2004، ما يقارب نحو 90.5 مليار درهم، ويتخطى عدد الدول التي استفادت من المساعدات والمعونات الإنمائية والإنسانية والخيرية، التي قدمتها الإمارات حاجز ال 117 دولة في أنحاء العالم ككل.

جوائز وألقاب

حصد الشيخ زايد، طيب الله ثراه، عدداً كبيراً من الجوائز والنياشين العربية والعالمية من مختلف دول العالم، منها جائزة الوثيقة الذهبية في مدينة جنيف في عام 1985، وجائزة وشاح جامعة الدول العربية في عام 1993، وجائزة الوسام الذهبي للتاريخ العربي في عام 1995، وجائزة وسام أبطال الأرض 2005، وقدمت له منظمة العمل العربية درع العمل في عام 1996، لدوره الرائد في دعم العمل العربي المشترك، ونال لقب أبرز شخصية عالمية في عام 1998.

كما اختارت هيئة «رجل العام» في باريس الشيخ زايد عام 1988، تقديراً لقيادته الحكيمة والفاعلة، ونجاحه في تحقيق الرفاهية لشعب الإمارات، وفي عام 1995 اختير «الشخصية الإنمائية» على مستوى العالم، وفي عام 1996 أهدته منظمة العمل العربية درع العمل تقديراً منها لدوره ومجهوداته الكبيرة.

الصورة
1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5aenbxtk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"