عادي

لوحة الإشارات الروحية

22:26 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

مصطفى راقم، أو كما يطلق عليه «سلطان الخطاطين» هو من دون منازع أحد عباقرة الخط الأتراك، وهو قامة كبيرة في هذا الفن العربي ممن تخصصوا في الثلث الجلي والنسخ، وهو كما يوصف: من أعلام خطاطي زمانه، ممن جاء بتجديد كبير في الثلث الجلي، ولا تزال طريقته متبعة حتى اليوم.

من أعماله المبدعة في الثلث الجلي، لوحة تدهش الناظرين بما فيها من جماليات توزيع الحرف، وقد استخدم فيها الكثير من الكلمات الدينية التي تسترسل في وصف الخالق جل وعلا، وفيها إشارات كثيرة إلى المكانة التي يحتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الله عز وجل.

وقد شكل مصطفى راقم هذه الكلمات تشكيلاً جمالياً مبهراً من حيث روعة التصرف بها على سطح اللوحة، فقام بتجزئة بعض هذه الكلمات على سطح اللوحة، إما يميناً ويساراً، وإما من الأعلى إلى الأسفل، وأحياناً كتب بعضها بخط كبير، ثم كتب بعضها بخط صغير في رونق جمالي بصري، من دون الإخلال بهندسة الحرف ووضوحه وسهولة قراءته، في لوحة أقل ما توصف بالتحفة الخطية النادرة والثمينة.

ومصطفى راقم قد اختار هذه الكلمات بشكل انتقائي، أي مجتزأة من عبارات ونصوص دينية كثيرة وردت في السنة النبوية الشريفة، وفي كثير من الأحاديث صحيحة السند.

خريطة خطية

لقد أبدع مصطفى راقم في هندسة هذه الخريطة الخطية –إن جاز التعبير- لأنها ترد بكثرة في أقوال السلف الصالح، بل تكاد تلهج بها ألسنة العباد الصالحين، في كافة مناسكهم للتقرب إلى الله عز وجل، وجاءت للتذكير بالمكانة التي يحتلها رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهي مكانة لم ولن يرق إليها ملك ولا نبي أو رسول، فهو حبيب الله الذي كملت محاسنه، الشفيع لعباده الذي يستفتح لهم باب الجنة يوم العرض عليه.

قام مصطفى راقم بخط كلمتي (الله محمد ) بخط كبير في أسفل اللوحة، ثم قام بخط عبارة (لا إله إلا الله) في يمين اللوحة من الأعلى، و(محمد نبي الله) في أعلى الصفحة من اليسار، ثم خط عبارة (محمد عليه السلام) في أسفل الصفحة من اليسار وكلمة (محمد) لوحدها في أسفل الصفحة، وعبارة (صلى الله عليه وسلم) في أعلى اللوحة من اليسار، وهي هندسة تمكن القارئ من استيعاب تلك الإشارات الروحية في هذه العبارات وهو يقوم بترديدها لكي يدرك ما فيها من قوة المديح والعظمة للخالق عز وجل من جهة، واستيعاب ما فيها من ثناء وإطراء على الرسول الكريم من جهة ثانية.

هذا التصميم الحروفي البارع، يمكن المشاهد من قراءة هذه الكلمات حيثما وردت وفي اتجاهات عديدة من دون الإخلال بالمعنى المراد الذي تتضمنه هذه العبارات التي جاءت شفيفة بمعانيها وإشاراتها، وجميلة في تنسيقها البديع، الذي رأى مصطفى راقم أن يخطها، على خلفية برتقالية اللون، زادت من جمال الآيات وتشكيلها المتقن على سطح اللوحة.

مصطفى راقم، تعلّم خط الثلث والنسخ على يدي شقيقه الكبير الخطاط إسماعيل زهدي، وهو مبدع الكثير من الأعمال واللوحات الخطية التي تزخر بها مدينة إسطنبول، وبجانب خطي النسخ والثلث، أتقن راقم خط التعليق، وهو من أعلام زمانه في الخط العربي وقد كان فضلًا عن حرفته في الخط رساماً ماهراً ووصل إلى مراتب الشرف في هذه الفنون، وأصبح رئيس الخطاطين، كما كان ماهراً في كتابة الطغراوات، وابتكار التراكيب الحروفية. ومن أهم خطوطه الجميلة ما كتبه على أضرحة السلاطين بجوار جامع الفاتح في إسطانبول، وهو الذي كتب شاهد ضريح أخيه إسماعيل زهدي، والذي بقي مزاراً للخطاطين يتطلعون بإعجاب شديد إلى جمال وروعة الكتابة عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p93eder

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"