تونس والتكاسل الأوروبي

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تتزايد حوادث غرق قوارب المهاجرين قبالة السواحل التونسية، ما ينبئ بأن أزمة خطِرة آخذة في التشكل في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، بسبب العجز عن إيجاد مقاربة دولية للحد من هذه الظاهرة المقلقة. ففي أيام قليلة أنقذ حرس الحدود التونسي مئات الأشخاص، وانتشل جثث العشرات من الضحايا، بينما تراوح المواقف السياسية الأوروبية مكانها بين راغب في تقديم المساعدة، وبين من يحاول مساومة تونس على مواقف تخص شأنها الداخلي.

 الكل يعترف بأن تونس تمر بوضع استثنائي على مستويات مختلفة، لكنها لم تصل إلى درجة الانهيار التي يحذر منها البعض. وبينها وبين صندوق النقد الدولي مفاوضات عقيمة حول قرض تمويلي بقيمة 1.9 مليار دولار لدعم الموازنة الحكومية، ولكنّ للصندوق شروطاً لم يقبلها الرئيس قيس سعيد؛ لأنها، من وجهة نظره، تمسّ السيادة الوطنية، وهو ما قد يدفعه إلى التوجه إلى الصين وروسيا، اللتين عبّرتا عن دعمهما لتونس في مواجهة الضغوط الغربية والتكاسل الأوروبي. وهذا التوجه، الذي لم يتمّ الإعلان عنه رسمياً، يثير حفيظة الدول الأوروبية، وخصوصاً إيطاليا وفرنسا، اللتين تقودان جهوداً مشتركة لدفع دول الاتحاد إلى توجيه مساعدات مالية لتونس؛ بهدف منع الانهيار الاقتصادي، الذي يمكن أن يسفر عن مزيد من تدفقات المهاجرين التي بلغت أعداداً قياسية هذا العام، وربما ستتضاعف في الأشهر المقبلة، مع قدوم الصيف، بالنظر إلى التطورات الدراماتيكية في السودان، والاستقرار الهش الذي تعرفه بعض دول الساحل الإفريقي.

 صحيح أن جزءاً من المهاجرين غير النظاميين تونسيون، لكن الأغلبية العظمى منهم تنحدر من جنسيات إفريقية ينطلقون عبر قوارب متهالكة إلى الجزر الإيطالية المتاخمة للسواحل التونسية، فضلاً عن رحلات هجرة غير نظامية مصدرها الشواطئ الليبية؛ حيث يقبع عشرات الآلاف من الأشخاص من ضحايا شبكات التهريب والجريمة المنظمة انتظاراً لعبور محفوف بالمخاطر إلى السواحل الشمالية للمتوسط. 

 وعلى امتداد سنوات طويلة ظلت هذه الظاهرة مصدر قلق للدول الأوروبية، وفي أحايين كثيرة اتخذت مطية للابتزاز وشراء المواقف، ولكن ذلك لم يحجب حقيقة أنها مأساة ذات أبعاد أمنية وسياسية واقتصادية، ويفترض أن تكون حلولها بعيدة عن الحسابات الضيقة والمصالح المتضاربة.

 من المؤكد أن المسارعة في مساعدة تونس وحماية اقتصادها من التدهور وحل مشكلاتها الاجتماعية وتوفير فرص العمل ستحضّ من يفكر في الهجرة من أبنائها على البقاء والاستقرار والإعراض عن المغامرة في رحلات الموت، لا سيما أن الأوضاع في الدول الأوروبية ليست مثالية، ولا هي كالسابق في ظل الأزمات الاقتصادية وارتفاع مستويات التضخم. كما أن تقديم المساعدة لتونس سيمكنها أيضاً من القيام بدورها الإقليمي في جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية، ويسمح لها بتكثيف جهود الإغاثة والإيواء للقادمين من جنوب الصحراء. أما تعذّر ذلك، في ضوء التغيرات الدولية، فقد يأتي بنتائج عكسية على العلاقات التاريخية بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً إيطاليا وفرنسا ومالطا. ومن مصلحة هذه الدول أن تتجاوز تونس هذه الأزمة بأقل الأضرار؛ حتى لا تدفعها الضغوط إلى فتح مسارات جديدة قد تستولد أزمات أخرى لا مصلحة للمنطقة المتوسطية في إثارتها خلال هذه الفترة الانتقالية للنظام الدولي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yrcedp6e

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"