عادي
اعتبر تجربة الشارقة نموذجاً في صياغة وعي الطفل

أحمد العامري لـ «الخليج»: رؤية سلطان تقرن بناء الإنسان بمنجزات المجتمع

00:54 صباحا
قراءة 7 دقائق

الشارقة: «الخليج»

الطفل في إمارة الشارقة محور لمشهد متكامل تشكّله الثقافة، والكتاب، والمؤسسات التي ترعى مواهبه وتبني قدراته. وفي وسط هذا الحراك تبرز هيئة الشارقة للكتاب التي تسهم في بناء ثقافة الإنسان وتعزيز معارفه عبر نشاطاتها وفعالياتها المتنوعة، من معرض الشارقة الدولي للكتاب إلى الحضور الدولي الدائم في مراكز الفعل الثقافي العالمي، وما تمارسه الهيئة على مدار العام من دعم للكتاب والناشرين والموزعين وغيرهم، إلى مهرجان الشارقة القرائي للطفل الذي بدأت دورته الرابعة عشرة.

1

بمناسبة المهرجان، وحول البعد التنموي لاهتمام الشارقة بأدب الأطفال وثقافتهم وبناء شخصياتهم كان هذا الحوار مع أحمد بن ركاض العامري رئيس الهيئة.

  • منذ بدايات مسيرة الشارقة وجّه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتركيز اهتمام المجتمع والمؤسسات الرسمية والخاصة على بناء الإنسان، وتعزيز معارفه، وتنمية مواهبه، كيف تجسّد هذا التوجيه؟ وما آثاره التنموية؟

- في كل مرة نتحدث فيها عن مسيرة إمارة الشارقة وما حققته خلالها نؤكد أننا محظوظون برؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي التي تجسدت في أن تنمية الإنسان -عبر الاهتمام بمعارفه وثقافته- تجعل كل منجز يحققه المجتمع نوعياً، ومستداماً، وقابلاً للتطوير. لا يمكن للنجاحات التي تتحقق أن تدوم وتكون ذات نفع كبير إلا إذا جاءت مستندة إلى وعي الأفراد وثقافتهم، وطموح المجتمع وإرادته؛ فالمجتمعات الواعية تختار مسارها السليم وتحدد أهدافها بدقة وتنمو وتتطور، وبناء مجتمع واعٍ يبدأ ببناء ثقافة شاملة للطفل.

1

أراد سموه لمسيرة الإمارة أن تكون حراكاً اجتماعياً ثقافياً اقتصادياً متنامياً وليس مجرد توسع جغرافي وديموغرافي، حراكاً يجمع كل العناصر التي تبني ثقافة فرد وحضارة مجتمع، وهنا يأتي مهرجان الشارقة القرائي للطفل كإحدى أدوات هذا البناء؛ فنحن ندرك أن كل الأسئلة التي يطرحها الحاضر سيجيب عنها أطفالنا في المستقبل، وأن هذه الإجابات التي تحدد مستقبلنا ومصير تراثنا وهويتنا تحددها ثقافة الطفل والقيم التي تشرّبها من بيئته.

ربما يكون هنالك من يتساءل: ما الذي يضيفه المهرجان في زمن انتشار المعرفة وسهولة تناقلها بأدوات الاتصال الحديثة، والإجابة هنا هي: إن المعرفة تحددها أدواتها، بل قد تكون أدوات المعرفة أهم منها ذاتها، من ينظر إلى الأشياء بعينه المجردة لا يرى كمن يستخدم العدسة المكبرة، في الحالة الثانية المشهد أكثر واقعيةً ودقة، عناصره واضحة متكاملة، وهكذا هي الحياة.

وهنا لا بد من توضيح أن امتلاك هذه الأدوات المعرفية قد يكون عملية ليست سهلة وسلسة عند الكبار، لكنها تصبح بَدَهِيّةً إذا بدأنا بغرسها منذ الصغر، وهكذا يهدف المهرجان إلى تزويد الأطفال بأدوات المعرفة ليقرؤوا ويفهموا دورهم في مستقبل حضارتهم.

من أجل تحقيق هذه الغاية عملنا على دمج الحراك الاجتماعي والثقافي في الإمارة ضمن إطار واحد يتمثل في الفعاليات الثقافية السنوية. ونجح مهرجان الشارقة القرائي للطفل أن يجمع صنّاع المعرفة بالصغار والأهالي، ويقدم لهم جديد أدب الطفل من مختلف البلدان والثقافات؛ ليؤسس لدى كل طفل وعياً إنسانياً ومعارف مشتركة، إلى جانب أن المهرجان أصبح منصة لرواد هذا الأدب من مؤلفين، وناشرين، ورسامين، ومصممين، وموزعين ومساحةً لبحث واقعه وتحدياته. وحقق المهرجان حضوراً عالمياً عبر المشاركات والتمثيل في معارض كتب الأطفال في بلدان مختلفة، وبهذا تؤكد الشارقة رسالتها أن بناء مستقبل مزدهر يسوده التفاهم والتعاون يبدأ بما يقرؤه أطفالنا اليوم.

تطور

  • كيف ترون واقع المهرجان اليوم؟ وما الذي حققه من منجزات ؟

- عند الحديث عن آثار المعرفة من الصعب استخدام لغة الأرقام؛ لأنه أثر متداخل مع كل المنجزات الأخرى؛ سواء كانت ثقافية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو علمية ولكن التطوّر الذي شهدته مسيرة المهرجان برؤية صاحب السمو حاكم الشارقة، وتوجيهات ودعم قرينة سموه؛ سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، يؤكد حجم الاهتمام من المؤسسات الرسمية والخاصة، ومدى احتضان المجتمع لهذه الفعالية التي أصبحت جزءاً من ذاكرة الأهالي والأطفال على حد سواء، وهذا ما قاد إلى تنامي المهرجان ومضاعفة أعداد فعالياته والمشاركين فيه. اليوم يشارك في دورته الرابعة عشرة 141 دار نشر منها 93 عربية و48 أجنبية، ويستضيف أكثر من 1700 فعالية مختلفة.

إن قراءة مسيرة المهرجان تُظهر التطور الكبير الذي طرأ عليه من حيث الكم والنوع، ودوره في دعم صناعة كتاب الطفل وثقافته، وهذا يؤكد أن المهرجان يستجيب لحاجة محلية وإقليمية وعالمية تتمثل في حماية وعي الأطفال والحفاظ على إنسانية وإيجابية هذا الوعي في ظل ما يشهده العالم من تنامي الاستقطاب الشديد بين الثقافات الإيجابية والسلبية، وفي ظل ما أثبتته المرحلة من أهمية الثروة البشرية ومكانة الأفكار، والابتكارات، والإبداعات في المنظومة الثقافية الحالية والمستقبلية.

الصورة

إضافة إلى كل ذلك، يشكل المهرجان رافعة ثقافية محلية وإقليمية؛ فنجاحه وتطوّر دوره ومكانته باتا نموذجاً قابلاً للتطبيق في الكثير من الساحات الثقافية الإقليمية، ونتوقع أن نشهد خلال السنوات المقبلة نماذج مماثلة في الكثير من الدول العربية، وبهذا تكون الشارقة أكدت دورها حاضنةً للثقافة العربية وملهمةً لقادة الحراك الثقافي في كل أنحاء العالم.

  • ما أثر الاهتمام بالطفل وتشجيعه على القراءة والمعرفة في بناء الثروة البشرية وتحقيق مصالح المجتمعات؟

- هناك حقيقة نتفق عليها، وهي أن المؤسسات الأكاديمية وحدها لا تكفي لبناء فكر نقدي اقتصادي واجتماعي على حد سواء، بل يجب أن يتكامل دورها مع المطالعة والقراءة الخارجية بشكل خاص للأطفال وفي سن مبكرة.

من جانب آخر، نشهد نمو قطاع الصناعات الإبداعية، بمعنى أن مجالات جديدة لم تكن معروفة تستمر في الظهور؛ مما يجعل هذا النوع من الصناعات الأسرع نمواً في العالم؛ إذ تولد مداخيل بقيمة 2.250 تريليون دولار سنوياً، وتوفر 30 مليون وظيفة، ومن المتوقع أن يصل إسهامها إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

إن دخول المجتمعات عصر الاقتصاد الحديث القائم على الأفكار، والمواهب، وآليات التفكير النقدي، واستفادتها من نمو قطاع الصناعات الإبداعية يبدآن من الاهتمام بالأطفال وتسهيل وصولهم إلى مصادر المعرفة التي تناسب أعمارهم.

  • كيف أثرت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في علاقة الأطفال بالقراءة؟

- هناك جدل دائر بين من يقول إن التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة مضرة بالأطفال، ومن يقول إنها مفيدة، لست مع هذا الطرف أو ذاك، التقنيات الحديثة لها فائدة كبيرة في حياتنا ولا يمكن الحكم لها أو ضدها بهذا الشكل القاطع. ما يجب تركيز النقاش عليه هو المحتوى الذي تقدمه للأطفال، وكيف يمكن استثمارها لتنمية شخصياتهم وتسهيل وصولهم لمصادر المعرفة.

الطفل مشدود للتكنولوجيا كوسيلة، كشكل جذاب لتقديم المحتوى وليس له ذاته، وهنا علينا أن نفهم كيف نستثمر جاذبية التكنولوجيا لتقديم معارف مفيدة.

الهدف الرئيسي من التربية هو بناء شخصية الطفل، وهذا البناء يجب أن يتم بالانسجام والتناغم بين الترفيه والتعلم، لا يمكن بناء شخصية متماسكة وإيجابية إذا كان الترفيه يتناقض مع التعليم.

أمام صنّاع أدب الطفل فرصة قوية يجب استثمارها، فإذا كان الوصول إليه من خلال الكتاب الورقي يشكل تحدياً في هذه المرحلة، فإن لديهم الآن فرصة للوصول إلى شريحة واسعة من الأطفال من خلال التكنولوجيا وتشجيعهم على القراءة.

بيئة حاضنة

  • كيف ترى دور المجتمع والمؤسسات في توفير بيئة ثقافية تنموية للأطفال في ظل زيادة وسائل الترفيه على حساب وسائل التعلم؟

- أهم عوامل التشجيع هي توفير بيئة حاضنة لها ترعاها وتحرص على استمرارها، وأن تكون يومية راسخة، وهذا دور المجتمع والمؤسسات.

بالعودة إلى تجربة الشارقة، فهي تمثل نموذجاً في توفير بيئة تنموية شاملة تضع ثقافة الأطفال في محورها. هناك تكامل بين المؤسسات في الأدوار، بعضها يهتم بكتاب الطفل، أو بمهاراته، أو ينمي حسه الفني ومواهبه، وهناك الكثير من المؤسسات التي تركز على بناء المهارات لدى الأطفال والشباب وتهيئتهم لقيادة واستكمال المسيرة.

هذا التكامل صنع مناخاً يشجع على القراءة والتعلم، ويحفّز الأهالي على الاهتمام بمعارف ومواهب أبنائهم، كما قلنا هناك حراك مجتمعي ثقافي شامل في الشارقة، وهذا الحراك يجعل الأهالي والمؤسسات يشعرون بأنهم جزء حيوي من المنجزات. بسبب هذا الاحتضان المجتمعي والمؤسسي نرى منجزات الشارقة الثقافية وتطوّرها المستمر، وذلك وضعها على الساحة العالمية بقوة، وساهم في بناء الصورة الذهنية المشرقة للإمارة والدولة بشكل عام.

  • كيف ترون آفاق التعاون بين ناشري ومؤلفي ومصممي كتاب الطفل، وحالة الأدب الموجه له عالمياً، وما يواجهها من تحديات؟

- أرى أن التعاون بين كل المساهمين في صناعة أدب الطفل على مستوى عالمي ضروري وليس مجرد خيار، بل أستطيع القول إن هذا التعاون هو تأكيد للرؤية المشتركة للمستقبل وما يلزم من عمل لتحقيقها.

أكبر معلم للشعوب هو التجربة التاريخية، والتجارب السابقة جميعها أثبتت أن العامل البشري هو العامل الرئيسي الذي يحسم نتائج مساعي وجهود المجتمعات.

من هنا يشكل التعاون بين صانع المحتوى الموجه للأطفال على مستوى العالم جزءاً حيوياً من مساعي العالم نحو الاستدامة والرخاء؛ لأن الاستثمار في الطفل هو استثمار في ثروة المستقبل وأدوات بنائه.

من تجربتنا التي اكتسبناها عبر سنوات طويلة من العمل في هذا السياق، ومن التحاور بيننا وبين جهات ثقافية عالمية من مختلف البلدان نعتقد أن أي تعاون دولي في هذا المجال يجب أن يقدم الإجابات عن الأسئلة التالية: ما مكانة الاستثمار في الثقافة والوعي ضمن مجمل السياسات والبرامج الثقافية؟ وما دور المؤسسات في توفير بيئة حاضنة للأطفال تتيح لهم مصادر المعرفة الملائمة؟ وكيف يمكن تطوير أدب الأطفال ليصبح أكثر جاذبية ونفعاً؟ وكيف نستثمر الفرص التي تقدمها التقنيات الحديثة لتعزيز العلاقة بين الطفل والكتاب ولغرس الأفكار السليمة التي تناسب أعمارهم في وجدانهم؟

وبما أننا نعتبر أنفسنا في قلب هذا التعاون، فستبقى الشارقة منصة مفتوحة لهذا الحوار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8tzmjc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"