عادي

بول ريكور.. فيلسوف تترجم حياته أفكاره

20:10 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

أصدر المركز القومي للترجمة كتاب «بول ريكور» لكارل سيمز، ترجمة على الغفاري، حيث يمتد تأثير فكر بول ريكور إلى مجال يفوق في اتساعه مجال تأثير أكثر المفكرين في الفترة الأخيرة (توفي في 20 مايو 2005) وعلى الرغم من أنه ينظر إليه عادة كفيلسوف فإن أعماله تغطي أيضاً نطاق علوم كثيرة، مثل الدين وتفسير الكتاب المقدس والتاريخ والنقد الأدبي والتحليل النفسي والدراسات القانونية والسياسية، كما تترك أثرها أيضاً على مباحث علم الاجتماع وعلم النفس وعلم اللغة.

وعلى الرغم من تباين الموضوعات التي تعالجها فروع المعرفة تلك فإن فكره يظل متساوقاً بلا انقطاع، كما تظل كتاباته حريصة دائماً على أن تكون أعمالاً «خيّرة» بمعنى ألا تحرص فقط على جودة الأداء ومستواه العالي، بل أيضاً على المستوى الأخلاقي السامي، وذلك رغم الكمية الهائلة لأعماله التي يبذل فيها جهداً ضخماً من البحث الدقيق والتوثيق الأكاديمي.

ومهما كان الموضوع الذي يتناوله ريكور، يظل دائماً يدافع عن قيم الإيمان الديني والعدالة الاجتماعية، فهو لديه رسالة مفادها أن يوضح النوايا الخفية الكامنة وراء الأعمال المكتوبة، لا أن يفضح الكتابات باعتبارها خادعة، ويعبر ريكور عن إيمانه هذا بالخطاب البشري في غضون نظريته عن القراءة، أي مذهبه في الهرمنيوطيقا.

تعتمد فلسفة الهرمنيوطيقا فرضية أساسية تقول إن الأعمال المكتوبة هي الطريق إلى فهم معنى الحياة، وينطوي هذا الافتراض بدوره على افتراض آخر هو أن للحياة معنى، غير أن هذا يمثل حلقة مفرغة إيجابية المعنى ويسميها بول ريكور «الدائرة الهرمنيوطيقية» فالأعمال المكتوبة لها معنى لأنها تعكس الحياة، وتكتسب الحياة معنى من قدرتها على أن تتمثل في الأعمال المكتوبة، وهكذا تعد فلسفة ريكور فلسفة حياة وفي نفس الوقت فلسفة قراءة.

وهذا ما يجعلها قابلة للتطبيق في كل مجال، ففي أي مبحث دراسي نتخصص فيه سواء كان التاريخ أو التحليل النفسي أو النقد الأدبي أو غير هذا كله، فإن هذا المبحث قد تأسس عبر نصوص، وتلك النصوص تخفي معناها الحقيقي، كل بطريقته المختلفة، وتكشف الهرمنيوطيقا ذلك المعنى الحقيقي أي معنى الحياة، ومن منطلق هذا المفهوم يمكن قراءة الحياة نفسها أو تفسيرها، وهذا التفسير نفسه يكشف الحياة باعتبارها سرداً.

يمكن وصف ريكور بمصطلحاته هو نفسه بقولنا: إنه مفكر التكوين المتعاقب – كما يرى المؤلف – وهذا يعني أن فكره تراكمي، فعبر نشاطه الممتد منذ الأربعينيات إلى يوم وفاته لم تشهد أعماله انقطاعاً، حيث ظلت كل فكرة من أفكاره تمثل تطويراً لأفكاره السابقة، وليس نفياً لها، ومن ثم لا يمثل كل فصل تالٍ لهذا الفصل مرحلة من مراحل تفكيره فحسب، بل يمثل أيضاً استمراراً لفكره وارتباطه بأفكاره السابقة.

على الرغم من مشاحنته مع الحكومة الفرنسية إبان حرب التحرير الجزائرية، في السنوات الأولى من الستينيات، فإن ريكور من الأكاديميين الذين من المرجح أن يصبحوا عمداء لكليات ويمنحوا الجوائز، ويتم دعوتهم للعشاء مع رؤساء فرنسا والولايات المتحدة، ويقضوا عطلة الصيف مع البابا (تمتع ريكور بكل هذا) وبكلمات أخرى يعد من شخصيات المؤسسة، ومن ثم لم يكن من الشخصيات التي تحظى بشعبية الذوق السائد، غير أن سيرة حياته تتفق مع أعمال الفكرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/273s4em5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"