ثقافتنا مع الصينية والهندية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هي أبعاد صعود الصين والهند إلى قمرة القيادة العالميّة في مقبل السنين؟ مواليد اليوم سيكونون سنة 2050 في عقدهم الثالث. ما هي منظومة القيم الثقافية التي سيظهر بها العرب في الزحام الحضاري؟ ثقافيّاً، للصين والهند ثقافتان صلبتان في اختلافهما عن غيرهما، وقد حافظتا باقتدار على التوافق بين أعمق الجذور التراثية وأحدث ما وصلت إليه مكاسب العلوم والتقانة.
في المقابل، حين اقتحم الغرب أبواب هويّة الثقافة العربية الإسلامية، مثلما يفعل رعاة البقر بالأبواب الخشبية المتحركة، وشهر مسدّسين معاً، لم ترفع ثقافتنا يديها ووجهها إلى الجدار. بل كافحت وناضلت أكثر من قرن، لكن المفارقة العجيبة، هي أن خرج جلّ العرب من مولد العصر، بعد ألوان من الاستعمار، بجينز ممزّق من الركبة والفخذ، بهمبرجر ضارّ، وموسيقى جاز لم تستسغها حتى 10% من العرب، بالرغم من أنها إفريقية الأصل. أمّا التنمية القائمة على الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء والعلوم العصبية والذكاء الاصطناعي، وتسوناميات المنتجات الصناعية والزراعية في الجهات الأربع، فقد فاز بقصب سبقها، الصينيون، الذين تمسّكوا بتعاليم كونفوشيوس ولاو تسو، والهنود الذين ظلّوا يحنّون إلى «كتب الحكمة الخمسة» (بانكاتاتنرا)، التي هي الأصل الحقيقي لكتاب كليلة ودمنة. النص المرجعي الأوّل أكبر بكثير ممّا وصل إلينا في العربية. التصرّف كان مشهوداً، وكذلك تفعل الترجمة المثلّثة أو المربّعة.
طُرُق الأواصر الثقافية مع الصين والهند ممهّدة، إن لم تكن معبّدة، فالتاويّة في بلاد التنّين فيها الكثير من التعاليم التي تتجاوب تماماً مع بعض تعاليم العقيدة الإسلامية. وفي التصوف الإسلامي روافد شتّى من التاويّة ومن الميراث العرفاني الهندي. تأمّل مثلًا كلمة «الطريق» ومكانتها في قاموس التصوف الإسلامي: الطريق، الطريقة، الطرق، السلوك، السالكون... التاوية من «تاو» الطريق في الصينية. مصطلح «الحال» في تصوّفنا كثير التردّد خصوصاً مع «أهل الحال»، هو من السنسكريتية «راج» (الجيم المصرية)، وهو أيضا أشهر مصطلح في أجناس الموسيقى الهندية الأصيلة. شكل يتدرج من عديم الإيقاع صوتاً وآلةً، إلى إيقاعات سريعة في نهاية العرض، الذي يستغرق قرابة نصف ساعة.
يقيناً، ستُلقي الثقافتان الصينية والهندية بأضوائهما وظلالهما على الواقع العالمي، فما هي المنظومة الثقافية التي ستتزيّا بها عقولنا في علاقاتنا المعنوية مع الأمم والشعوب. التاريخ ماضٍ بتوجيه من الإرادات التي عرفت كيف تخرج من هامش العصر لتمسك بالمقاليد. يجب تأسيس علاقات لها عناصر حضارية حديثة من صميم ماضينا. سلوكيات الإملاءات المتغطرسة لا مستقبل لها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاقتراحية: على نخبة من المفكرين والمثقفين أن يلتقوا ويضعوا منظومة ثقافية أصيلة حديثة وعلمية، فلا تكون التنمية الشاملة مادّة بلا فكر وروح.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2578d4m6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"