إيطاليا بعد برلسكوني

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

ربما لم تعرف إيطاليا، منذ بينيتو موسوليني، زعيماً سياسياً مثيراً للجدل مثل سيلفيو برلسكوني، رغم الفرق الشاسع بين الرجلين. فالأول كان فاشياً، والثاني رجل دولة وإعلام ورياضة، عُرف عنه حبه للحياة والفكاهة والعلاقات العامة، والتردد على المحاكم. لكن يؤخذ عليه اتخاذه قرارات، في السياسة الخارجية، تتعارض مع توجهات الرأي العام الإيطالي، ومنها «انقلابه» على صداقته مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وقبلها انخراطه في الغزو الأمريكي، غير المبرر للعراق.

برلسكوني، الذي رحل عن هذه الدنيا، أصبح صفحة في تاريخ إيطاليا تتقاطع حولها مواقف أنصاره ومعارضيه، رغم إجماع الكل على أنه شخصية استثنائية وعلامة وطنية. ولحقبة تزيد على 30 عاماً، ظل حاضراً في المشهد، سواء على رأس السلطة، أو خارجها، وكان موقفه أساسياً في تشكيل أغلب الحكومات الإيطالية في العقود الأخيرة، وآخرها الحالية برئاسة جورجيا ميلوني. ولذلك، فإن غياب هذا الرجل عن الساحة سيترك فراغاً، وربما يؤدي إلى إعادة بناء المسرح السياسي الإيطالي إلى حين ولادة شخصيات جديدة ترقى إلى مكانته، لكن من دون إحداث تأثير كبير من شأنه أن يغير الوضع العام للنظام القائم.

إيطاليا، ثالث قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي وعضو مجموعة السبع الكبار ومجموعة العشرين، لا تعرف الاستقرار السياسي الطويل، فقد عرفت نحو 47 حكومة منذ تأسيس الجمهورية عام 1946، أي بمعدل حكومة كل 16 شهراً، وبعضها لم يعمر إلا أياماً، بسبب الديناميكة المفرطة في العمل السياسي، وتوجهات الأحزاب، التي تتشكل بسرعة، وتندثر كذلك أيضاً. ومن التحديات التي تواجه بعض النخب في الظرف الراهن، كيفية بناء نظام سياسي مستقر لا يكون رهينة توجهات شخصيات، أو أحزاب، أو شبكات المافيا. وهذه المهمة صعبة المنال في المدى المنظور. ومن التعهدات التي قطعتها رئيسة الوزراء الحالية، ميلوني، خلال حملتها الانتخابية، العام الماضي، أن تدعو إلى تعديل الدستور ليتيح تغيير النظام إلى رئاسي لا برلماني، كما هو حاله اليوم. ويبدو أن هذه السيدة اليمينية لم تنجح في مهمتها الآن، ربما بسبب اشتراطات الائتلاف الحاكم، وربما أيضاً الخشية من أن تغيير النظام سيخل بالتوازنات، ويربك المصالح المتشابكة في المجتمع الإيطالي.

صعود اليمين المتطرف بزعامة ميلوني إلى السلطة، يؤشر إلى مرحلة جديدة في كل أوروبا، لا سيما بعد التغيرات، الإقليمية والدولية، فمنذ سنوات لم تكن روما على وفاق مع العواصم الأوروبية الأخرى، لا سيما باريس وبرلين، اللتين تسعيان إلى الهيمنة على البقية. لكن النخبة الإيطالية بدت متيقظة لذلك، وسجلت مواقف حازمة تجاه فرنسا، بشأن ملفات الهجرة والوضع في شمال إفريقيا، وتجاه الاتحاد الأوروبي بشأن السياسات الاقتصادية والعلاقات مع القوى العالمية الفاعلة، مثل روسيا والصين، وقد عبّرت عن هذه التوجهات ميلوني في مناسبات عدة، وحتى برلسكوني كان متماهياً معها في رفض كثير من المواقف.

يبدو أن إيطاليا لا تستقر من دون أن تكون لديها شخصية ذات كاريزما خاصة تطبع تاريخ كل مرحلة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y2hcfy4p

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"