عادي

الوارث جلّ جلاله

21:53 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

يجلس العبد متأملاً في ما يحوزه من متاع الدنيا، ويدرك في حقيقة نفسه أن كل هذا سيزول، وأنه لن يأخذ إلى قبره إلا ما قدم من عمل خيّر أو ولد صالح يدعو له بالرحمة والمغفرة. لذا، ورد أن أحد الحكماء كان يحمل عصا دائماً، فقيل له: «ما لك تدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض؟ فقال: لأذكر أني مسافر»، فمن أدرك أنه مسافر، وأن هذه الدنيا ليست بدار بقاء، أخذ دنياه مطية لآخرته، وعمل بقول «اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل»، فالدنيا بكل ما فيها وبكل ما عليها ستفنى ويرثها الله، سبحانه وتعالى، القائل «إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ»، مريم: 40، فكل ما في الكون سيرثه الله الوارث جل جلاله.

الوارث ورد كثيراً في القرآن الكريم، والوارث يقصد به الباقي الدائم بعد فناء الخلق، الذي يرجع إليه الأمر كله، فهو، سبحانه، أوضح لعباده منذ بدء الخليقة أن الفناء مصيرهم مهما طال عمرهم، وكثر مالهم، فكل ابن آدم وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول، ولو نظرنا إلى الأمم السابقة لوجدنا أنهم ملكوا ما ملكوا من نعيم ثم أين هذا النعيم؟ وما مصيره؟ وأين هم أصحابه؟ ذهبوا وبقي ما قدموا من عمل. وبما أن هذا النعيم لن يدوم لأي إنسان، فالمؤمن يتعظ بمن سبقه، فيسخر ما يملكه أياً كان من مال أو علم في مرضاة الله، وخدمة خلقه. والمؤمن كذلك لا يعترض على قضاء الله وقدره، فالكون بمن فيه لله سبحانه يعطي من يشاء ويمنع عطاءه رحمة عمن يشاء، لقوله تعالى: «إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»، الأعراف: 128.

الوارث يدعو عباده إلى التزام منهجه، وعدم الحياد عنه، وأن يتقي العبد ربه في السر والعلن، فالمؤمن ظاهره كباطنه، ومن كانت تلك حاله، حاز جنة عرضها السماوات والأرض «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا»، مريم: 63. والوارث يبين لعباده أن يحتكموا لشرعه في قسمة الميراث، فالمال الذي يختلفون عليه سيؤول في النهاية لله القائل: «وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»، الحَدِيدِ: 10. ويعلمنا اسم الوارث أن من حرم الولد عليه أن يكرر دعاء سيدنا زكريا، عليه السلام، «وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ»، الْأَنْبِيَاءِ: 89، وكان من دعاء النبي، صلى الله عليه وسلم، «اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s46rd56

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"