عادي
بعد ارتفاع الكلفة والتضخم وانخفاض قيمة العملة

رحلة العمر.. «تحديات عربية» على طريق الحج

14:44 مساء
قراءة 5 دقائق
يمنّي ملايين المسلمين أنفسهم، كل عام، بأداء فريضة الحج، لكن تحديات عدة يواجهها أبناء المنطقة العربية، تفرض على الراغبين في الحج خيارات صعبة لتحقيق هذا الحلم أو تحبط خططهم من الأساس.
وأبرز تلك التحديات بالطبع، المصاعب الاقتصادية والتضخم وأزمات كلفة المعيشة وانخفاض قيمة العملة في بعض الدول، لترتفع معها كلفات الحج لمستويات يصعب على كثيرين تحملها، أو تجبرهم على خيارات ربما لم يكونوا ليطرقوا بابها إذا كانت الظروف أفضل حالاً.
وألغت وزارة الحج والعمرة في السعودية قيود كوفيد-19 في موسم الحج هذا العام، لتستضيف أعداداً من الحجاج تضاهي ما كانت عليه قبل انتشار الجائحة والتي بلغت زهاء 2.6 مليون.
وكانت المملكة قد سمحت لأعداد محدودة من سكانها بأداء الحج في عامي 2020 و2021، قبل أن تستقبل نحو مليون حاج من الخارج في 2022، لكن اقتصر القرار فقط على الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و65 عاماً، والذين حصلوا على جرعات اللقاح كاملة، ولا يعانون أمراضاً مزمنة. بحسب «رويترز».
* مصر
يقول خالد الشربيني، وهو صاحب شركة سياحة في مصر: «إن وزارة السياحة في أكبر دولة عربية، من حيث عدد السكان، هي الجهة التي تحدد أسعار رحلات الحج، عبر قائمة ضوابط ترسلها إلى الشركات».
وأشار إلى أنه يُسمح للشركات بزيادة الأسعار في حال تقديم المزيد من الخدمات عن تلك المذكورة في قائمة الضوابط.
وتراوحت الأسعار الرسمية لرحلات الحج التي حددتها الوزارة بين 130 ألفاً و310 آلاف جنيه (4.2 ألف و10 آلاف دولار)، بينما كانت تتراوح بين نحو 95 ألفاً و194 ألفاً العام الماضي. وبعض هذه الأسعار لا يشمل تذاكر الطيران.
وعن نسبة الإقبال على الحج هذا العام، قال الشربيني «20% من السنة الماضية».
ودفع ارتفاع الكلفة البعض إلى اتخاذ خيار قد تكون عواقبه وخيمة. فهناك من قرر السفر للمملكة بتأشيرات زيارة شخصية قبل موسم الحج بفترة، والبقاء هناك حتى أداء الفريضة. لكن تنطوي هذه المجازفة على عقوبات تصل للترحيل الفوري، وفرض غرامة مالية، إلى جانب المنع من دخول الأراضي السعودية لعشر سنوات.
* تونس
أما التونسي عثمان منصور (66 عاماً)، فلم يكن يتخيل أنه سيضطر إلى إنفاق كل مدخراته لتغطية كلفة الحج، التي قال إنها ارتفعت «بشكل جنوني لا يتناسب أبداً مع القدرة الشرائية للتونسيين».
وأضاف منصور، وهو أب لأربع بنات، أنه أخذ يدخر الأموال لسنوات، وتخلى عن الكثير من احتياجاته، أهمها السيارة؛ لتحقيق حلمه في أداء مناسك الحج مع زوجته التي ستحتاج إلى مصاريف إضافية لعدم قدرتها على أداء الفريضة بمفردها لأسباب صحية.
أما التونسية نجوى (63 عاماً)، التي طلبت ذكر اسمها الأول فقط، فقد باعت بعض مصوغاتها لتكمل كلفات الحج، وقالت: «توقعت زيادة بألف دينار، ولكن الزيادة تجاوزت ثلاثة آلاف دينار (1000 دولار)».
وأثارت تسعيرة الحج في تونس هذا العام، انتقادات كثيرة واستياء من المواطنين، بسبب ما وصفوه بأنه ارتفاع هائل في الكلفة.
وأعلنت وزارة الشؤون الدينية التونسية في بيان في مايو/أيار الماضي، أن كلفة الحج الإجمالية للموسم الحالي تبلغ 19400 دينار أو ما يزيد على 6 آلاف دولار.
* العراق
اشتكى العديد من العراقيين من صعوبة أداء فريضة الحج، بسبب الإجراءات الروتينية الصعبة التي تفرضها هيئة الحج والعمرة، وتتطلب من الراغبين إدراج أسمائهم في القرعة، والانتظار من سنتين إلى خمس سنوات قبل أن يحالفهم الحظ.
وأما العقبة الأخرى التي تحدث عنها خالد محمد صالح (64 عاماً)، المعلم المتقاعد في بغداد، فهي ارتفاع الكلفة التي تصل إلى أربعة ملايين و600 ألف دينار عراقي جواً، و3 ملايين و900 ألف دينار براً.
وقال المتحدث الرسمي باسم هيئة الحج والعمرة العراقية: «هذه المبالغ تشمل إجراء التأمين الصحي لجميع الحجاج، وتزويدهم بالحقائب لحفظ أمتعتهم، وتكون محددة بإشارات لتلافي ضياعها، إضافة إلى توفير جميع الخدمات الأخرى الضرورية التي تسهّل عملية الحج».
وأما من يريد تجاوز إجراءات القرعة، فأمامه فرصة (الحج التجاري)، عبر مكاتب مرخصة حكومياً، لكن صالح يقول إنها «غالية جدا، حيث تكلف الشخص الواحد مبلغ 11 ألف دولار».
* ليبيا
أما في ليبيا، تكفلت حكومة الوحدة الوطنية، التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، بمصاريف الحج كافة للعام الثاني على التوالي. وبلغ عدد الحجيج هذا العام 7800 من جميع أنحاء البلاد.
وقال المدرس مصطفي الحاسي (43 عاماً) والذي حالفه الحظ وجاء اسمه في القرعة هذا العام: «الحج مكلف نحمد الله أن الدولة تكفلت بجميع المصاريف. هذا جيد».
وأضاف: «لو أردت أن أذهب على حسابي الشخصي، سأحتاج إلى 15 سنة حتى أقوم بجمع المبلغ الكافي».
* فلسطين
انطلقت حافلات تقل من حالفهم الحظ باختيارهم لأداء الفريضة من الضفة الغربية إلى الأراضي الأردنية، ومنها إلى السعودية.
وقالت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، إن عدد الحجاج هذا العام من الضفة الغربية بلغ 3362 شخصاً من بين 30 ألف متقدم.
وقال صالح عليوي من نابلس (64 عاماً)، أثناء انتظاره لانطلاق الحافلة من مدينة الحجاج في أريحا، إنه ظل يحلم بهذه الفرصة منذ 10 أعوام.
وانتقد محمد طريد (48 عاماً) من أريحا ارتفاع الكلفة قائلاً: «يعني العمرة 500 دينار أردني والحج 3246 ديناراً، الله يعين الناس».
ومع هذا، اعتبر طريد نفسه محظوظاً قائلاً: «منيح الواحد يحج وهو شاب يقدر يساعد حاله ويساعد الناس».
وفي كل عام، تقدم السعودية منحاً للحج لذوي «الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية».
وقالت وزارة الأوقاف: «إن المنح تشمل ألف حاج، وستوزع بالتساوي بين المحافظات الشمالية والجنوبية (الضفة الغربية وقطاع غزة)».
ويسافر الفلسطينيون إلى السعودية براً أو جواً عبر الأردن.
*الأردن
لكن في الأردن نفسه، أصاب الإحباط أسامة عبدالكريم المواطن الستيني، بعدما قرر التخلي عن فرصة الحج هذا العام، رغم حصوله على تصريح لأداء الفريضة، وذلك بعد أن تفاجأ بارتفاع كلفة السفر براً إلى نحو 3000 دينار (4200 دولار)، أي زيادة بنحو 600 دينار مقارنة بالعام الماضي.
واستنكر الأمر قائلاً: «إن الزيادة لا يقابلها تحسن في الخدمات المقدمة للبعثة الأردنية؛ مستشهداً بما رواه عدد من أقاربه وأصدقائه عن تجاربهم».
وأكد رئيس جمعية مكاتب الحج والعمرة الأردنية بلال روبين أن أكثر من 600 حاج تخلوا عن فرصة السفر، سواء بعدم استلامهم تصريح الحج، أو عدم قيامهم بالتسجيل خلال الوقت المحدد.
ويشير روبين إلى أن كلفة الحج البالغة ثلاثة آلاف دينار، هي من أجل الإقامة في غرف لأربعة أشخاص وليس لأعلى فئة.
*المغرب
يبلغ عدد الحجاج المغاربة هذا العام 34 ألفاً. وتبلغ كلفة الحج في المغرب هذا العام، كما حددتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، نحو 63 ألف درهم (6 آلاف و300 دولار)، وهو «مبلغ غير شامل لمصاريف الجيب»، كما جاء في بيان سابق لوزارة الأوقاف المغربية.
وتقول المغربية فاطمة الزوين (63 عاماً): «في السنين الأخيرة ارتفعت كلفة الحج، وبصفة عامة ارتفعت كلفات المعيشة؛ لذلك لا شيء يغلى على زيارة بيت الله ومغفرة الذنوب».
وتحكي قائلة: «منذ سنين وأنا أجمع من مالي الخاص حتى يكون حجاً مقبولاً، وجمعت مال الحج من أموال تقاعدي ومدخراتي، ولا يُعقل أن أسافر فقط بالمبلغ الذي حددته وزارة الأوقاف، لابد من أخذ مال للأكل والشرب والمرض إذا قدر الله وبعض الهدايا البسيطة للأحباب؛ فلذلك من أراد الحج عليه أن يوفر ما لا يقل عن 100 ألف درهم»، وهو مبلغ يوازي نحو 10 ألف دولار.
وقالت صاحبة وكالة أسفار في الرباط، رفضت نشر اسمها أو اسم وكالتها: «صحيح أن الإقبال على الحج ليس بالكثافة التي كانت من قبل، ليس فقط بسبب الغلاء، وإنما لأنه أصبح مقنناً ومنظماً من وزارة الأوقاف وفق لوائح محددة».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y33hejh2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"