مستقبل تحت الحصار

00:36 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

بأسرع مما كان متوقعاً، يجني السودان ثماراً مُرّة للصراع العبثي الدائر على امتداد خريطته. فرّ من فرّ، ومات من مات، وعرف الآلاف الشتات، وكان الأمل أن تتحلى الأطراف المتواجهة ببعضٍ من حكمة تداوي كل ما حدث وتصلح ما فسد من الحاضر، لكن الأيام تمضي والأزمة تواصل عصفها بالحاضر، بل والمستقبل. 

توارت التفاصيل العسكرية قليلاً، وغاب فيض البيانات المتبادلة عن خسائر في هذا الطرف أو ذاك، وتبددت الهدنة تلو الأخرى، واختفت عن الشاشات الوجوه والأصوات التي تدعي وصلاً بالديمقراطية والحوار وهي تضمر نية الاستمرار في المواجهة العبثية. 

ووسط ذلك، بدأت النتائج الأسوأ للصراع الذي لم يجرف حاضراً كان على وشك الاستقرار فحسب، بل يطمس أيضاً معالم المستقبل، وكأنه مُصر على أن يحفر آثاره عميقة في النفوس لعقود.

احتمل الكبار دفع ثمن ما يجري، اعتياداً على الأزمات، أو يأساً من بلوغ الهدوء، لكن الأرقام الصادمة عن ما يلاقيه الصغار من صنوف الانتهاك تنذر بطول بقاء لتداعيات المأساة، حتى مع وضع المتحاربين السلاح.

من هنا، يمكن فهم قول مانديب أوبراين، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن «مستقبل السودان على المحك»، وكأنه لا يكفينا الأجيال التي نشأت على الذعر وفقدان الثقة في أي شيء في أجزاء عربية أخرى.

صحيح أن كل روح تضيع هي خسارة لا تعوض بكل المعاني الإنسانية، لكن أن يلتهم الصراع في السودان في شهرين أكثر من 330 طفلاً قتلوا و1900 أصيبوا، ومليوناً تركوا منازلهم وتفاصيلهم اليومية، فذلك وجه أكثر قتامة للمأساة.

ولن يغيّر من الأمر شيء إذا كانت الأرقام أقل أو أكثر من ذلك، فالحصر في مثل هذه الظروف لا يمكن أن يكون دقيقاً، لكن الثابت، وفق المنظمة، أن قرابة نصف عدد سكان السودان دون الثامنة عشرة، أي في خانة الأطفال.

ذلك يعني أن السودانيين بأكملهم مهددون في حاضرهم ومستقبلهم، فلا أفق لحل قريب، ولا رادع للنيران التي تتنقل من منطقة لأخرى تضع الأطفال تحديداً «في كابوس بلا هوادة» وتجعلهم يدفعون الجزء الأكبر من ثمن الأزمة، وفق ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).

نحن أولى بالأسف من مسؤولة «يونيسف» وهي تتحدث عن أطفال السودان وتحصي قتلاهم، ومصابيهم، والمحاصرين منهم تحت نيران المعارك والنزوح واللجوء وسوء التغذية ونقص المواد الغذائية.

لم يقف أحد من المتصارعين عند تحذير «يونيسف» أواخر مايو/ أيار من أن أكثر من 13.6 مليون طفل في حاجة ماسة للدعم الإنساني المنقذ للحياة، لكن أحدث تقارير المنظمة يوجب الانتباه والأسى على ما يلاقيه أطفال السودان، أي مستقبله، فالمفقود منهم خسارة، والناجي سيبقى قابضاً على جرحه، خاصة في المناطق التي تحتفظ بذاكرة القلق الدائم وتمثل دوماً بؤراً مرشحة للانفجار. ومن هذه البؤر دارفور، الإقليم الذي يضم 5.6 مليون طفل نزح منهم نحو 270 ألفاً بسبب القتال، حسب المنظمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4cvty5w8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"