الخطاب المعرفي الوطني وتحدياته

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

لا نضيف شيئاً ولا نأتي بجديد حين نقول: إن الفعل الثقافي مسؤولية كبيرة، وليس مجرد إجراء روتينيي تنظيمي إجرائي. والفعل الثقافي لا يقتصر على المحاور الأدبية والإبداعية والفنية وأشكال التعبير المعروفة؛ بل يتعداها، ليشمل المحاور الإنسانية كافة، إضافة إلى المحاور العلمية التوعوية. والتوعية بالشيء لا تتوقف عند المعلومة الجديدة؛ بل تطال ما حولها وما يتصل بها، من هنا نرى ضرورة التعمق الإيجابي في المعنى والفكرة والموقف والحدث والتستراتيجية والمبادرة وأي فعل له صلة بالإنسان.

 وتعج ساحتنا الثقافية - بالمفهوم الذي تطرقنا إليه - بالفعاليات الثقافية الأدبية التقليدية والإنسانية الشاملة، وهو أمر مهم ومطلوب، لتحقيق التواصل مع المبدع والمفكر والمتلقي، أو بين المؤسسة والجمهور، ولا بدّ لهذا التواصل أن يضع في الحسبان المستوى المعرفي المتقدّم الذي وصل إليه الإنسان في الإمارات، على صعيد المواطنين أو المقيمين، والمستوى المعرفي؛ يعني الإحاطة بالقوانين والاستراتيجيات والبرامج والمشهد الوطني بشكل عام؛ وهو مشهد متطور ومتقدّم، يأخذ بأسباب المعرفة الحديثة، وتنظيم محاضرة أو ندوة حول هذا المشهد يجب أن تتّسم بالإضافة النوعية، فلا تردّد المطروق والمعروف، ولا تطرح أسئلة إجاباتها معروفة لكل صاحب ثقافة بسيطة، ولا تتحدث في البديهيات الراسخة في عقول ووجدان الجمهور، ولا تكرّر المكرر ولا تعرّف المعروف، ولا تردد العبارات المستهلكة المتداولة؛ بل يجب أن تتحدث في عمق الفكرة وجوانبها المتعدّدة وامتداداتها في الحقول الشبيهة أو المختلفة. 

 فعلى سبيل المثال، التجربة الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومثلاً، الحداثة في المجتمع في الإمارات، أو فكرة التنوّع الثقافي المستند إلى تنوّع الجاليات بلغاتها وثقافاتها وانتماءاتها وعاداتها وتقاليدها، أو فكرة التسامح وتقبّل الآخر، أو قضايا المناخ والتسخين الحراري، أو المسؤولية المجتمعية، أو تطور التعليم والتحديات المستقبلية، وإن شئنا التطرّق للموضوعات السياسية، نجد تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، أو جهود السلام، أو أثر الذكاء الاصطناعي في جودة المنتج الثقافي الفردي والمؤسسي. كلها محاور مهمة، لكن البعض يتناولها وفق مبدأ تعريف المُعرّف، وإضاءة المضاء؛ بحيث تتكرّر الطروحات والأقوال والمناهج والمعالجات، ويتكرر الخطاب ذاته من دون حفر معمّق بالفكرة والمبدأ والسياسة. 

 أعتقد أنه، وكما حققت الإمارات قفزات نوعية في الإنجاز الصحي والتعليمي والثقافي والاقتصادي والسياحي والإبداعي والتنمية البشرية وغزو الفضاء وتحديث القوانين، فمن الضرورة مواكبة الخطاب ذي الصلة بما تقدّم، وتأصيل الفكر الذي أدى إلى القفزة النوعية التي تبهر العالم، ودراسة الخطاب السياسي الذي أدّى أيضاً إلى نشر صورة برّاقة للإمارات في المجتمع الدولي والمحافل العالمية، دراسة معمّقة تبتعد عن اللغة العادية الإنشائية، وتقترب من اللغة العلمية، المدعومة بالبراهين والأفكار والتصورات المستقبلية، من منطلق أن كل مواطن مشارك في المسيرة نحو النجوم.

 إن ما ينطبق على الفعاليات الثقافية العامة، ينطبق على المنتج الأدبي الإبداعي، وخاصة المنتج الشعري، مع الاعتراف بوجود فعاليات نوعية متقدمة لغةً وأسلوباً، ونتاجات إبداعية شعرية وروائية متقدمة في اللغة والطقوس والأساليب الفنّية، ويمكن تعميم هذا على الأشكال التعبيرية كافة.

 وأود أن ألفت الانتباه إلى عدم استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في القضايا الإنسانية الوطنية المطروحة إلا بعد غربلتها وتمحيصها وتدقيقها والنظر في تسلسلها، فهذه البرامج لا تزال في بداياتها، وينقصها البعد المعرفي العاطفي، إضافة إلى خلوها من حرارة اللغة وإنسانيتها، وقد تصلح البرامج في القضايا العلمية أكثر من الأدبية والثقافية والفكرية، وفي النهاية لا بد للعقل البشري من مراقبة العقل الآلي، وعدم الركون إليه بالكامل؛ كي يحتفظ الخطاب الثقافي بتوهّجه وإنسانيته، ويحتفظ الإنجاز الوطني بعطره واستدامته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2t4js98v

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"