مأساة لا تنتهي

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

ليس من الإنصاف رمي كل تبعات ملف الهجرة غير الشرعية المنطلقة من وجهات عربية، بكل ما تجره من كلفة إنسانية، على كاهل الحكومات، أو الأنظمة السياسية. 

 صحيح أن جزءاً من هذا الملف متصل اتصالاً وثيقاً بيأس البعض، خاصة في البلدان المأزومة، سياسياً واقتصادياً، من المستقبل وانعدام الثقة في أي وعود للظفر يوماً بسبل الحياة الكريمة. ولا جدال في أن كثيرين من الشباب وجدوا أنفسهم بين خيارين، كلاهما يرتبط باحتمالات أكبر للهلاك: البقاء وسط صراع سياسي يحصد الأرواح، أو طرق أبواب «جنات» متخيلة بالوراثة، رغم أن التجارب المأساوية المتكررة تقول بغير ذلك.

 وبين الطرفين: الحكومات، والشباب المندفع إلى الموت، جبراً أو اختياراً، هناك من ينشطون في بيع الوهم والوعود الزائفة، ويعتبرونها أساس تجارتهم بالبشر مع ما يتفرع عنها من مخاطر وويلات يكون الشاب في قلبها مجرد سلعة، ويدفع ثمن تداوله بين مكانين، وإن لم يتيسر ذلك، يكون هو نفسه طعام كائنات البحر حين يلقيه مهربوه في عرضه، إذا استجد خطر عليهم.

 من سواحل البحر المتوسط في غير بلد عربي، يخرج الشباب في طريق احتمالات النجاة فيه أقل من غيرها، ويلقى ما يلقى من مهربيه، وكان في الماضي يجد من يستقبله على الضفة الأخرى باعتباره ضحية، فيمده بما يعينه على الحياة، لكن الواقفين على هذه الضفاف يمعنون الآن في غلق المنافذ إلى أراضيهم.

 وأقرب ما تفعله الدول المقصودة أن تعيد اللائذين بها لتكتمل الحلقة المأساوية من غير أن تمثل رادعاً، بل إنها تفتح شهية آخرين على تكرار المحاولة.

 وهكذا، نصبح كل أيام عدة أمام أنباء المفقودين في البحر، والعائلات التي تنوح على الشواطئ في انتظار من لا يعود، ومطالبات السلطات بأن تتدخل لتستعيد شباب من ضاعوا، بل إن بينهم في أحيان كثيرة نساء ورضعاً. 

 ليست المهمة إقناع المصرّين على المغامرة بحياتهم أن تبدل الأرض لن يعني بالضرورة تغيّر الظروف، وأن القوارب المتهالكة لا تنقلهم إلا إلى الموت في معظم الأحوال، فالأهم، بموازاة ذلك، التصدي لمن يعتاشون على التغرير بهم.

 وهؤلاء لا يعملون بشكل فردي، بل ينتظمون في شبكات دولية تختلف وجوه أعضائها وألسنتهم، لكن الاستهانة بحياة ضحاياهم تجمعهم.

 الشرطة البريطانية أعلنت، نهاية الأسبوع الماضي، اعتقال رجل عربي في لندن يشتبه في تنظيمه تهريب آلاف من الأشخاص على متن «شراك الموت»، من شمال إفريقيا إلى إيطاليا.

 وربطت التحقيقات بين الرجل وعمليات العبور غير القانونية في البحر المتوسط، على مدار العام الماضي، بما في ذلك من ليبيا، وكان يعمل من بريطانيا بالشراكة مع آخرين.

 رجل أشرف بمفرده على الزج بآلاف في دروب اللاعودة، فكم ضحايا نظرائه المنخرطين منذ عقود في سوق عرب وأفارقة إلى الجحيم؟

 الأمر بحاجة إلى جهود دولية تتجاوز فكرة اتهام الحكومات بالتقصي، والشباب بالحماقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n83pvk6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"