الفنان.. حالة وفكر

00:25 صباحا
قراءة دقيقتين

الحال الفنية حال روحانية جمالية، وانغماس في مكنونات العمل الفني، وانصهار في التفاصيل، وابتكار لقصة تترسّخ في عمق مشاعر الفنان، وتترجم عملاً إبداعياً. هي الصمت الذي يفجّر بعدها تجربة متناغمة ومتجردة من قيود المكان والزمان، والانطلاقة إلى أبعاد لا يتقنها إلّا بعد رحلة من التأمل، والإنصات لداخله، ولما يريد إنتاجه. هي الوحدة والعزلة، والطمأنينة التي تنغمس فيه وتعتصره حتى الأرق، لينسج قطعة صعبة، في كل كينوناتها، حتى إذا ما صارت واقعاً، صار صداها مدوياً. الفن احترام لما نقدم، ولمن نقدم!

يستفزني كثيراً بوصفي فنانةً، ومتابعةً لفنانين مهمين، ألّا نجد حتى اليوم عقولاً واعيةً تستوعب الذي يمرّ به الفنان، لينتج عملاً واحداً، تنهال فجأة وفي الوقت نفسه، الكثير من الطلبات والمشاريع وكأنّ هناك من كان نائماً وصحا، ليجد نفسه، أمام متطلبات مشروع أو فعالية. ويبدأ مشوار البحث عمن ينتج له ما يريد، خلال أيام وإن أمكن ساعات، فتصبح العملية تجارية بحتة.

الفن أيها السادة ليس ضغطة زر وتخرج الأفكار، وإن خرجت فإن احترام تنفيذها يحتاج إلى وقت ليس بالقصير. في كثير من المشاريع قد يحتاج الفنان إلى وقت فقط، ليكتب قصة العمل وينسج تفاصيلها، فترى من يستعجله، وإن اعتذر احتراماً لنفسه وفنه، قيل عنه: لا يعمل ولا يريد أن يتعاون. وبعد كل هذا أعجب ممن يرد عليك إن طلبت قيمة مادية للعمل: نحن سنروّج لك، ونظهرك للمجتمع مقابل عملك.

أيها السادة الفنان إنسان، ومن حقه أن يُدفع له، لوقته وفكره، وتفانيه، وأنتم وجب عليكم أن تقدروا القيمة، وتظهروه جزءاً من التقدير، لا أن تساوموه.

كيف يتوقع من أي فنان أن ينتج مجموعة من الأعمال في شهر أو شهرين؟ ليس الفنانون مفرغين للفن «للأسف»، فهم يعملون أيضاً حتى يمولوا فنهم، لا توجد استراتيجية تتبنّى أهل الفن وتجعلهم يحترفونها مهنةً، كل ما نقوم به هو اجتهاداتنا الشخصية، حباً فيما نفعل، وإدراكاً لقيمة الفن في نقل هوية المجتمع الذي ننتمي إليه، إدراكاً لأن القصص توثق من نافذة الفن أيضاً؛ فكيف نوازن المعادلة، ونصبح منصفين للفن وأهله؟

جميعنا أيها المسؤولون، أيتها الشركات، والمعارض، والمؤسسات الثقافية، نتمنّى أن نشارككم كل ما تطلبون، لكن الروح لا تعرف إلّا أن تحترم فنها، وما تقدم، فنصبح مجبرين لأن نعتذر كثيراً، فلا يمكن لأحدنا، من تعب على نفسه، وفكره وعمله، أن ينساق وراء موجة «الأعمال التجارية»، وينسى حقيقة موهبته، ولا أنتقد هنا من يمتهن الفن مصدراً لدخله، بل على العكس من حقه أن يكون معيله، لكن وجب، كذلك، أن تكون هناك أسواق حقيقية للأعمال؛ فكم عرضنا، وشاهدها ألوفاً، لكن لم يقتنِ أحد.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/a4s8nnwa

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"