الوضع الاقتصادي الراهن.. وما يتعين فعله

23:03 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

يميل الدولار الأمريكي إلى التفوق في الأداء قبالة العملات الأخرى، عندما يكون الاقتصاد الأمريكي مزدهراً، أو حين يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة. ومع ذلك، فإن سوق السندات الأمريكي يقوم الآن بتخفيض تسعيره ارتباطاً بأسعار الفائدة الفيدرالية، نظراً لحساسية السندات بشكل خاص تجاه تغيرات أسعار الفائدة التي يضعها الفيدرالي. فحين يعمد الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة، تنخفض أسعار السندات في السوق على الفور؛ لأن السندات الجديدة التي ستطرحها وزارة الخزانة في السوق ستغري المستثمرين بسعر فائدة أعلى.

هذا واحد من الأسباب التي تشكل سلة مخاطر الديناميكيات الاقتصادية والجيوسياسية التي تفسر تسريع الاتجاه نحو الابتعاد عن الدولار الأمريكي، مع التحاق المزيد من البلدان - من البرازيل إلى دول جنوب شرق آسيا - بموجة إتمام الصفقات التجارية بعملات أخرى إلى جانب الدولار الأمريكي. فمن خلال تنويع احتياطيات محفظة عملاتها، ربما يمكنها تقليل الضغط الواقع على قطاعاتها الخارجية. كما أن التداول بالعملات المحلية يسمح للمصدرين والمستوردين بموازنة المخاطر، ولديهم المزيد من الخيارات للاستثمار، ورفع مستوى التثبت وتقليل هامش التكاليف الفجائية فيما يخص الإيرادات والمبيعات.

كيف يتصرف المستثمرون عادة إزاء هذه الحال؟ جيف بيزوس، الملياردير الأمريكي المعروف، طرح رأيه بهذا الخصوص مؤخراً في لقاء مع سي إن إن، قائلاً بأن الاقتصاد الأمريكي ليس على ما يرام حالياً، التباطؤ سيد الموقف، وعمليات تسريح العاملين جارية على قدم وساق في العديد من قطاعات الاقتصاد. فقد سرّحت كل من أمازون، وميتا، وألفابيت، وسايلزفورس، ومايكروسوفت، الآلاف من موظفيها، ولا يقتصر الأمر على شركات التكنولوجيا الكبيرة فقط. ما يتعين على المستهلك الأمريكي اتباع سياسة متشدة في الإنفاق. فإذا كان يفكر في شراء تلفزيون بشاشة كبيرة، أو سيارة جديدة، أو ثلاجة جديدة، أو أي شيء آخر، فمن الأفضل له الاحتفاظ بالمال، وبالنسبة للمستثمر، ينصح بيزوس بثلاثة خيارات مشتريات «مقاومة» للركود:

قطاع المرافق (شركات الكهرباء والماء والغاز الطبيعي، وغيرها من الخدمات الأساسية المغذية للمنازل والمؤسسات).

قطاع الرعاية الصحية غير المرتبط بتقلبات الاقتصاد. في ذات الوقت الذي يوفر فيه الكثير من إمكانات النمو على المدى الطويل بسبب العامل الديموغرافي، لا سيما شيخوخة السكان. القطاع العقاري، حيث أثبتت العقارات مرونتها في أوقات ارتفاع أسعار الفائدة، وذلك وفقاً لشركة إدارة الاستثمار «إنفستكو».

خبراء ماليون آخرون، ينصحون في مثل هذه الأحوال بالتحول للاستثمار ليس في الأصول الورقية (الأسهم والسندات وصناديق الاستثمار)، وإنما في الأصول الحقيقية: المعادن الثمينة (الذهب والفضة)؛ لأنها وسيلة تحوط شائعة ضد التضخم وعدم اليقين. فلا يمكن طباعتها من فراغ مثل النقود الورقية ولا تتأثر قيمتها إلى حد كبير بالأحداث الاقتصادية الجارية في العالم.

بعد هذا سوف يتبادر إلى الذهن السؤال البديهي في هذه الحالة، وهو: وماذا عن البيتكوين؟ هذا صحيح، بعض كبار المستثمرين مازالوا يراهنون عليها. فهم يرون في فوضى العملات الرقمية، وعلى رأسها بيتكوين، فرصة. ويؤمنون بحظوظ عملة البيتكوين لنفس السبب الذي يدفعهم للإقبال على المعادن الثمينة: عدم الثقة في نظام النقود الورقية Fiat money وبعض الجهات المصدرة لها، وهم يعنون بالتحديد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. علماً بأن كلاًّ من لجنة تداول السلع الآجلة Commodity Futures Trading Commission - CFTC (وكالة تابعة للحكومة الأمريكية تم إنشاؤها في عام 1974 لتنظم أسواق المشتقات الأمريكية التي تشمل العقود الآجلة والمقايضات وأنواعاً معينة من الخيارات الاستثمارية)، وهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية SEC (وكالة تابعة للحكومة الأمريكية، أُنشئت في أعقاب انهيار وول ستريت عام 1929، بهدف مراقبة السوق لمنع التلاعب به) – تصنفان عملة البيتكوين كسلعة. واليوم فإن العديد من البورصات العالمية تتقاضى ما يصل إلى 4% كرسوم عمولة فقط لشراء وبيع العملات المشفرة. ويلجأ بعض المستثمرين إلى تطبيقات الاستثمار التي تتقاضى عمولات منخفضة أو حتى منعدمة. لكن بسبب تقلباتها الحادة، فإن الكثير من المستثمرين مازالوا يعزفون عن التعامل بالعملات المشفرة، ومنها البيتكوين. لكن من المتوقع على نطاق واسع أن تصبح عملات بعض الدول الصاعدة، مثل الريال السعودي والدرهم الإماراتي، إلى جانب اليوان الصيني والروبية الهندية، أكثر العملات إقبالاً في المعاملات التجارية البينية والإقليمية؛ لما تتمتع به هذه البلدان من اقتصادات سلعية متينة ومواقف مالية تفوقت على أفضل الاقتصادات الرأسمالية أداءً.

*خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3ecvhb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"