خارطة المصالحة الإقليمية

00:53 صباحا
قراءة دقيقتين

إعلان مصر وتركيا رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء، اختراق إقليمي كبير يعزز فرص التنمية والازدهار، ويطوي صفحة دامت سنوات من القطيعة والتوتر والمعارك الإعلامية التي كانت على حساب مصالح البلدين، والاستقرار في المنطقة. وبعد الإعلان المشترك عاد التواصل بين القاهرة وأنقرة إلى سالف عهده، وسط تفاؤل بأن يكون الآتي أجمل.

ما بين مصر وتركيا إرث من العلاقات يمتد إلى مئات السنين، وما يجمعهما من نقاط تشابه والتقاء أكثر مما يفرق، أما ما يشوب علاقاتهما من توتر، كما طرأ مؤخراً، فهو خلاف سياسي لم يمنع التواصل بين الشعبين، ولم يقطع مسارات التجارة والسفر والاستثمار. وكان اللقاء الذي تم بين الرئيسين، عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان، على هامش افتتاح دورة كأس العالم لكرة القدم في قطر، الخريف الماضي، بداية رسمية للتواصل بين قيادتي البلدين، سرعان ما تطور إلى اجتماعات رفيعة المستوى، وتبادل زيارات بين الوزراء، حتى جاء الإعلان المتزامن باستعادة العلاقات كاملة، وتسمية سفيرين.

خارطة التوافق والمصالحة التي تتشكل في المنطقة تنبئ بمرحلة جديدة ترتسم حدودها على مستويات عدة. وقبل مصر وتركيا، عادت العلاقات كاملة بين السعودية وإيران، لتنتهي فترة طويلة من التوتر عملت أطراف خارجية على تأجيجها، خدمة لمصالحها الخاصة، وليس حرصاً على الأمن والاستقرار. وقد ثبت أن تلك المرحلة الملغومة بالصراعات والخطابات الطائفية، عادت بالوبال على الجميع، وعطلت أنساق التنمية وأشاعت الريبة في المستقبل. ومن حسن الحظ أخيراً، أن تغلبت الحكمة على المغامرات المتهورة، وانتصر أبناء المنطقة إلى لغة جديدة أساسها التسامح والإيمان بالمصير المشترك. وهذا المسار الذي بدأ منذ أقل من عام، تعزز بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعدما أعادت دمشق علاقاتها مع كل الدول الأعضاء تقريباً. ومن المؤمل في القريب العاجل أن يتم التقارب الرسمي بين دمشق وأنقرة، في ضوء المساعي المشتركة إلى تنقية الأجواء وإعادة بناء حسن الجوار.

المنطقة العربية وجوارها الإقليمي، بما فيها تركيا وإيران، من أكثر المناطق الحيوية في العالم، إذ تتركز فيها الثروات والفرص والطاقات البشرية الشابة، وبإمكانها أن تصنع نموذجاً في التعاون والتكامل يقل نظيره في العالم. فالعرب والأتراك والإيرانيون هم أصحاب هذا الإقليم منذ غابر الأزمان، وسيظلون كذلك، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وفي ضوء هذه الحقيقة البديهية التي لا تقبل الطعن، ليس هناك من خيار غير رفع سقف الطموحات لجعل هذه المنطقة جنة الأرض بالتنمية والفرص وتحقيق الرفاه لكل شعوبها. وإذا كان البعض يرى في هذا القول مجرد أمنية لا تستند إلى منطق، وتحول دونها عراقيل وعقبات، فإنها تظل أفضل من العيش رهائن صراعات لا تنتهي إلا لتتجدد. وتجاوز هذه المعادلة يتطلب رؤية مختلفة وإيماناً عميقاً بأن المستقبل يمكن صياغته وفق معادلات أرحب من تلك التي سادت في الماضي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ksdu33m

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"