الإمارات والدولة الناجحة

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي شراب

تقدم الإمارات أنموذجاً للدولة التي استطاعت أن تحقق درجات متقدمة في سُلَّم ومعايير نجاح الدول، وهذا وفقاً للمؤشرات العالمية التي أصدرتها العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية في مجالات السعادة الوطنية والرفاه والسلم الاجتماعي. 

 ومظاهر النجاح تعود جذورها لنشأة الدولة، ولدور المغفور له المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه». ف«النجاح عملية تراكمية متوالية»، كما يقول جيمس روبنسون أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو في كتابه «لماذا تفشل الدول». إذ تتحدد ملامح الفشل والنجاح بوجود إدارة جيدة لرفع مستوى معيشة مواطنيها، فالدول الناجحة هي الدول التي يتمتع فيها المواطن بمستوى معيشي مرتفع، وبتوفر كافة الخدمات والبنية التحتية في الصحة والتعليم والأمن الاجتماعي والرفاه، أما الدول الفاشلة فهي تلك التي تعاني الفقر والبطالة وهشاشة بنيتها. 

 وبالنظر لنموذج دولة الإمارات، يلاحِظ المراقب اتساع خارطة الإنجازات الاقتصادية المتنامية، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية أمام المواطن، وزيادة درجة تمكين المرأة. فدولة الإمارات تعتبر اليوم من أولى الدول عربياً وعالمياً التي تتولى فيها المرأة مناصب قيادية عليا على مستوى الحكومة، وفي رئاسة المجلس الوطني، وفي العديد من المناصب.

 إن نجاح الدولة يقوم على أُسس وأعمدة قوية، أولها القيادة الوطنية ورؤيتها الشاملة المنفتحة على كافة المتغيرات والتحولات العالمية والمحمية بمرجعية التقاليد والثوابت التاريخية، والأساس الثاني هو بناء المواطنة المنتمية المُحبة لدولتها، والأساس الثالث هو البنية المؤسساتية المتطورة المرنة، والأساس الرابع هو منظومة القيم التي تحكم الحراك والمسار السياسي.

 لقد رأينا كيف نجح زايد المؤسس في تحويل الدولة من مجتمع قبلي إلى دولة مؤسساتية، كما نجح في تحويل الإنسان إلى مواطن ينتمي لدولة وسلطة مركزية، لأن شعاره كان الاستثمار الحقيقي في بناء الإنسان. لقد نجح في بناء الدولة الاتحادية، وسط أمواج وعواصف إقليمية ودولية، إذ تزامنت نشأة الدولة مع الصراعات الإقليمية، واشتداد الحرب الباردة والصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وتمكن برؤيته وموضوعيته من إعطاء الأولوية لقيام الدولة الاتحادية، ووضع إمكانات إمارة أبوظبي في بناء هذه الدولة. وقد أدرك منذ البداية أن النجاح مرتبط بالإنجاز، إنجاز المدارس والمستشفيات والمساكن...، لتتواصل عملية التأسيس والتمكين والاكتمال اليوم مع القيادة الحالية التي أدركت أن الحُكم الرشيد المسؤول من أهم مقومات نجاح أي دولة، ثم التحول من مرحلة الإنسان إلى مرحلة المواطن المشارك والمساهم في بناء دولته. هذا النجاح مثل البناء، يحتاج إلى قواعد صُلبة يُبنى عليها، فكان الاهتمام ببناء المؤسسات التي لم تقتصر على المؤسسات السياسية، بل بالتوسع في بناء المؤسسات الاقتصادية بكل أشكالها، والمؤسسات المجتمعية والدينية والقيمية والتعليمية، ببناء الجامعات واستقطاب الجامعات الأجنبية المتقدمة، وهي بلا شك سمة من سمات الدول العصرية المتقدمة.

 إن أي نجاح يحتاج إلى مرجعية منظومة القيم التي تقوم على التنوير والتسامح والسلام والانفتاح على الدول، فلا نجاح مع دول ومجتمعات منغلقة منعزلة، فكانت وثيقة الأخوة الإنسانية كمنهج ورؤية، وهذا النجاح من مقوماته بناء القوة الشاملة التي تحميه بالقوة الصلبة، أي القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والذكية والناعمة، لذلك تلعب دولة الإمارات دورها المؤثر اقتصادياً وتنموياً وعالمياً على الساحة الدولية، ولتتحول مقراً للعديد من المؤتمرات والأنشطة العالمية. 

 وتكتمل مسيرة النجاح بسياسة وديبلوماسية خارجية متوازنة، وبشراكات استراتيجية مع كل الدول، وبالتعامل بفعالية وإيجابية مع التحولات الدولية والإقليمية، وبالمشاركة في بناء وصنع السلام، وبالحضور في المنظمات الدولية.. ورحلة النجاح طويلة ومستمرة في صنع المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46p69nmm

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"