أهمية زيارة الصين وكوريا الجنوبية

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

تكتسب زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، إلى الصين وكوريا الجنوبية أهمية كبيرة، ولها تداعيات ودلالات سياسية عميقة من عدة نواح. فأولاً هي زيارة دولة، وهي أعلى مستوى لأشكال زيارات رؤساء الدول، وتتم بدعوة رسمية وشخصية من رئيس الدولة المضيفة ويكون ضيفه شخصياً، ويقيم في أحد مقار الدولة الرسمية ولها مراسيم خاصة، وهذا يعني اعترافاً بدور ومكانة دولة الإمارات على مستوى العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية، وتعني تقديراً لسياسة الإمارات في كافة المجالات ومصداقيتها.

والقواسم المشتركة لهذه الزيارة أنها تقوم على الاحترام والثقة المتبادلة بين الإمارات وكل من الصين وكوريا الجنوبية. ولعل أهم ما يميز هذه العلاقات البعد الشعبي وتوصيفها بالعلاقات بين شعبين صديقين وهذا يتمثل في عدد المقيمين من الدولتين في الإمارات، فللصين أكثر من مئتي ألف مقيم في الدولة.

هذه الزيارة تستحضر عمق العلاقات التاريخية الممتدة، وهي نموذج للعلاقات الشاملة التي تقوم على الرغبة في تطوير المصالح وصولاً لمرحلة الشراكة الاستراتيجية المتقدمة. وهذا الوصف ينطبق على علاقات الإمارات بكل من الصين وكوريا الجنوبية، وتقوم على الندية في العلاقات، ولها تداعياتها الدولية والإقليمية في العديد من القضايا مثل قضايا المناخ ومحاربة الإرهاب ونشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش المشترك.

أهمية الزيارة أيضاً في بعدها الجيوسياسي، بين أهم المناطق الاستراتيجية في العالم اليوم، وهي منطقة الخليج العربي ومنطقة شرق آسيا. وتستمد أهميتها من الدور العالمي الذي تقوم به الصين وكوريا الجنوبية. ولذلك هي من العلاقات التكميلية إذ إن كل دولة تكمل دورها بالأخرى. ومن الدلالات السياسية العميقة لهذه الزيارة تجسيدها لأهم المبادئ التي وضع لبنتها المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه، في تنويع العلاقات وتوسيع الخارطة الجغرافية للدولة. وتأتي الزيارة تتويجاً لعلاقات تمتد لأكثر من أربعين عاماً.

وتذكرني هذه الزيارة التي يقوم بها رئيس دولة الإمارات، بتلك الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات في عام 2018 ووصفه البلدين ب«الصديقين».

وتغطي العلاقات بين البلدين كافة المجالات السياسية والاقتصادية. فحجم العلاقات التجارية بينهما وصل لحوالي 100 مليار دولار، على أمل وصول هذا الرقم إلى 200 مليار دولار مع عام 2030. وهناك العلاقات الثقافية بين البلدين مع وجود 60 مدرسة في الإمارات تعلم اللغة الصينية، إضافة إلى الحوار الاستراتيجي القائم بين البلدين، ومشاركة الإمارات الفاعلة في المبادرة الصينية «الحزام والطريق» والبنك الآسيوي للتنمية، وانضمام الدولة لمجموعة بريكس.

هناك في الإمارات اليوم بأكثر من ستة آلاف شركة صينية وآلاف المواطنين الصينيين.

لا شك في أن هذه العلاقات بين الإمارات والصين لها إيجابياتها في دعم السلم والأمن الدوليين وبما يخدم المصالح المشتركة للشعبين. وكذلك العلاقات مع دولة كوريا الجنوبية إذ تقوم على نفس الأسس والمبادئ في الاحترام والثقة المتبادلة والرؤى السياسية المتقاربة، وعلى الرغبة في تطوير العلاقات ومراعاة المصالح المشتركة على مستوى الدولتين والشعبين، إضافة إلى العلاقات التي تشمل مشاريع الطاقة النووية السلمية والاقتصاد والرعاية الصحية والثقافة والتعليم والإدارة الحكومية والاستثمار والتنمية.

ولعل من أبرز محطات العلاقات بين الإمارات وكوريا الجنوبية مشروع براكة كأول مشروع لبناء محطات للطاقة النووية خارج كوريا والذي بلغت كلفته حوالي 18 مليار دولار، وهو أول مشروع للطاقة النووية السلمية في العالم العربي. وتركز العلاقات على رؤية مشتركة في نشر السلام والتبادل المعرفي، وصورتها الحوار الثقافي بين البلدين. ومن مظاهر هذه العلاقات زيارة رئيس كوريا الجنوبية للإمارات يون سوك يول عام 2023، وقبلها زيارة رئيس كوريا الجنوبية السابق مون جاي إن في يناير/كانون الثاني 2022.

واليوم تأتي زيارة صاحب السمو رئيس الدولة، لتشكل قوة دفع استراتيجية للعلاقات. ومن مظاهر أهمية العلاقات أن الإمارات تستحوذ على 27 في المئة من حجم تجارة كوريا مع العالم العربي. ويبقى أنها من العلاقات الشاملة التي تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية على المستوى العالمي.

إن هاتين الزيارتين لكوريا الجنوبية والصين الشعبية تؤسسان لنموذج العلاقات بين الدول التي تقوم على المؤسساتية والإنسانية والخيرية والمصالح المشتركة في عالم تسوده القوة والحروب والفوضى الدولية. كما أن هاتين الزيارتين تمثلان تجسيداً لنجاح دبلوماسية الدولة ورؤيتها في بناء عالم من السلام والاستقرار والمنفعة لكل شعوب الأرض.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3xapfy76

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"