عادي
قرأت لك

الشاعر راشد بن طناف.. صانع البهجة

17:45 مساء
قراءة 4 دقائق
1
د. راشد المزروعي

الشارقة: علاء الدين محمود
مئات من الشعراء النبطيين عاشوا على أرض الإمارات، وكانت سيرتهم مترعة بالحب والخير والجمال في رحاب النظم الشعبي، ذلك الموروث الذي يحمل بين نصوصه ذات الأغراض المختلفة، تجارب وقيم ورحلة حياة ممتدة. لقد اتسمت الأجيال السابقة من الشعراء النبطيين بالجزالة والمفردة المنتقاة من قاموس العربية الفصيحة، وعملوا على رصد تفاصيل الواقع اليومي، فكانت أشعارهم بمثابة ديوان يحفظ تفاصيل تلك الأيام، لذلك عمل كثير من الباحثين والمختصين على جمع أشعارهم، والتوثيق لسيرتهم لتبقى حية وخالدة.
كتاب «ديوان طناف»، للدكتور راشد أحمد المزروعي، الصادر في طبعته الأولى عام 2018، عن «دار التراث الشعبي»، في أبوظبي، من ضمن تلك المؤلفات التي عملت على توثيق التجربة الشعرية لواحد من أهم شعراء النبط في الإمارات ومنطقة الخليج قاطبة، وهو الشاعر راشد بن طناف بن فايز بن سعيد النعيمي، الذي يعد رمزاً مهماً في مجال الشعر الشعبي، وركناً من أركانه، وقد تميز طناف بكونه شاعراً فكاهياً، ينظم أشعاراً لطيفة خفيفة على الروح تواجه عبوس الحياة وتصنع البهجة في نفوس المستمعين والقراء، فهو من الذين زرعوا البسمة في وجوه الناس، حيث تتميز نصوصه بأسلوب ومعان وأوصاف يرددها الناس في حياتهم اليومية، في واقع ذلك الزمان، فكان أن حولها طناف إلى أشعار تروى، يتلقط من خلالها التفاصيل الصغيرة، ويرصد عبرها حياة الناس.
*زمن الطيبين
الكتاب يقع في 221 صفحة من القطع الكبير، ويشتمل على مقدمة وسيرة حياة للشاعر وقصائده التي نظمها في مناسبات متعددة بأغراض مختلفة، والكتاب يتناول بالتفاصيل سيرة ذلك الشاعر ونسبه وموطنه وأهله، ويتتبع منعطفات من حياته، ويرصد أهم أحداثها، والديوان عامر بقصائد ذات طابع اجتماعي، وأخرى في مجال الغزل ومقام الحب، مسكونة بالبهاء والجمال ورقة المفردات وقوة الألفاظ والمقدرة على التعبير عن الحياة وطرق العيش، وعن المناسبات المختلفة، كما يضم الديوان قصائد في مقام الاخوانيات وذكر الصحاب، ويتميز الشاعر بصناعة الصور والمشهديات النابضة بالحياة، حيث يجد القارئ نفسه وقد انتقل عبر قوة الكلمة والوصف إلى رحلة نحو سنوات مضت من تاريخ الإمارات، أو ما يعرف بزمن الطيبين.
وقد حاول المزروعي في هذا الديوان أن يكون شاملاً لجميع أعمال وأشعار طناف على مدى حياته الطويلة، معتمداً في هذا المجهود على أعمال بحثية عن الشاعر، ليقوم المؤلف بالبحث والتنقيب عن بقية أشعاره لدى الكثيرين من حفظة شعره، وكذلك الصحف والمجالات والدواوين الشعرية الأخرى، وعلى الشبكة العنكبوتية في مواقع التواصل الاجتماعي، غير أن الكثير من أشعار طناف لا تزال مفقودة.
يشير الكتاب إلى أن الشاعر طناف، ولد في بلدة البريمي عام 1910، وأحضره جده لأمه سعيد بن صالح الصواية إلى الشارقة، حيث عاش مع الأسرة التي ربّته رضيعاً في بلدة الذيد حتى عام 1914م، وتزوج طناف في بداية حياته من ابنة خاله جمعة بن سعيد الصواية، وهي شقيقة الشاعر المعروف سعيد بن جمعة الصواية المتوفى في عام 1990، غير أن هذه الزيجة لم تستمر طويلاً، لينتقل بعدها إلى ثلاثة تجارب في الزواج.
*الضحك والمأساة
عاش طناف حياة الوحدة الدائمة، خاصة بعد وفاة زوجته الأخيرة عام 1975، فكان أن انقطع عن الناس، وانعزل لا يقاسمه صعوبة الحياة والأيام أحد إلا من بعض الأصدقاء والمعارف الذين كان يشدهم الإعجاب بقصائده وشعره الصاخب، وسوالفه وأحاديثه التي لا تخلو من النكات والضحك في بعض الأحيان، وربما يلح على من يتابع سيرة هذا الشاعر سؤال كيف تميزت أشعار وقصائد هذا الشاعر الوحيد المنعزل بتلك السخرية وحس الفكاهة وهو يعيش حياة الوحدة والاغتراب عن الناس؟ فيما يبدو كانت تلك أسلوبية الشاعر وطريقته في مواجهة مواجع الحياة وآلامها المرة، لذلك دائماً ما كان خلف النكتة في النص الشعري لطناف حكمة وموقف ورأي، حيث استطاع أن يعبر عن وحدته وأوجاعه بتلك الطريقة، غير أن قصائد طناف لم تكن كلها في مقام البهجة والسخرية، فله نصوص تفيض شجناً يشكو فيها وحدته وابتعاد الرفاق، ولعل مثل تلك القصائد المحتشدة بالحزن كانت هي سلوته في الأمسيات والليالي التي قضاها مبتعداً عن الناس، لذلك تكمن براعة هذا الشاعر في كتابة قصائد يزاوج فيها بين الضحكة والمأساة.
ويلفت المزروعي إلى أن طناف كان ظاهرة فريدة في نوعها في تاريخ الشعر الإماراتي، فكما ذكرنا، انفرد بالشعر الفكاهي المطعّم بكلمات الشارع ومفردات محلية بحتة، ويكشف عن شخصية غير مستقرة، ويلاحظ في قصائده نبرة التحدي، كما يغلب على شعر طناف بصورة أساسية الغزل الذي له فيه باع طويل، كما أن المدح والرثاء لهما مساحة في شعره، ويتميز باستخدام وتوظيف المفردات الصعبة، وله الكثير من القصائد الجميلة والقوية التي تميزت في بنائها بالحبكة المتينة والحكمة.
*طناف يقول
ويوضح الكتاب، أن طناف كان مميزاً في فن «الدرسمي»، و«الرياحني»، و«الفطور»، وكلها ألوان شعرية شعبية، وهذا الأخير «الفطور»، هو الفن الذي يجهله الكثير ممن نظموا القصيدة النبطية، وكان من أقرب الشعراء الشعبيين إلي طناف هو الشاعر الكوس، رحمه الله، وهو أحد قامات القصيدة النبطية والشعبية في الإمارات، وهو الأقدر على فهم خبايا قصائد وأشعار طناف، وعلى الرغم من وجود عدد من الشعراء الذين كتبوا قصائد ذات طابع فكاهي، إلا أن لطناف مكانة خاصة وكبيرة، لتحرره من كثير من القيود، حيث أكسبه النهج التلقائي الغريزي الطبيعي سمعة وتأييد وحب وتفضيل من شريحة كبيرة من مؤيديه داخل الإمارات وخارجها، حيث أصبح شعره ونكاته على كل لسان، حتى صارت هنالك جملة شهيرة تردد بين الناس دلالة على مدى تأثيره ومكانته وهي «طناف يقول».
ويشير الكتاب إلى أن طناف ترك أشعاراً كثيرة، فقد عدد كبير منها، وقد عمل بعض من محبيه على جمع قصائده مثل الشاعر سعود الدوسري، وناصر النعيمي، وقد تكلل ذلك المجهود من قبل الشاعرين بإصدار ديوانيين لطناف هما: «صدى الونة»، عام 1984، و «أهواك»، عام 1997.
*رحيل
في عام 2001، أغمض طناف عينيه للمرة الأخيرة، بعد أن أصيب في سنوات عمره الأخيرة بمرض في عينيه، وتم تشييعه ودفنه في مدينة الشارقة، بعد رحلة حياة ممتدة وتجربة زاخرة بالكثير، خلّف خلالها العديد من القصائد المحفوظة في قلوب محبيه.

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/35e6ee5w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"