عادي

من يدفع ثمن انهيار مبادرة حبوب البحر الأسود؟

19:22 مساء
قراءة 7 دقائق
من يدفع ثمن انهيار مبادرة حبوب البحر الأسود؟

الشارقة - الخليج

في ظل أزمة الغذاء الحالية التي تهدد أكثر من نصف العالم ما زال يتوجب على أسواق الحبوب العالمية أن تستعد لسيناريو فشل اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود، بعد مغادرة آخر سفينة محملة بالحبوب ميناء أوديسا الأوكراني في وقت مبكر، الأحد، لاسيما أن الاتفاقية التي وقعت في يوليو عام 2022 تواجه عراقيل عدة، وتهديدات متواصلة بإنهائها.

وتنتهي مدة اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود منتصف ليل الاثنين، والتي تعتبرها الأمم المتحدة ضرورية للأمن الغذائي العالمي، وجرت مفاوضات متوترة لإقناع موسكو بتمديدها.

وتهدف مبادرة حبوب البحر الأسود، التي وقّعتها روسيا وأوكرانيا في يولي 2022 برعاية تركيا والأمم المتحدة، إلى التخفيف من خطر المجاعة في العالم من خلال ضمان تسويق المنتجات الزراعية الأوكرانية على الرغم من الحرب المستعرة منذ فبراير 2022.

  • ضرورة ملحة

وترى الأمم المتحدة، أن التوصل إلى تمديد الاتفاق الذي توسطت فيه المنظمة الدولية وسمح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود على تجديد الاتفاق، أنه ضروري للمساهمة في الأمن الغذائي العالمي.

ودعت أيضاً إلى التنفيذ الكامل لاتفاقية ذات صلة لضمان وصول الحبوب والأسمدة من روسيا إلى الأسواق العالمية.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في بيان: «نؤكد الضرورة الملحة للقيام بذلك للمساهمة في الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم وتخفيف المعاناة التي تسببها أزمة تكاليف المعيشة لمليارات البشر في العالم».

ومن جانبه دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الجمعة، روسيا إلى تمديد اتفاق تصدير الحبوب الذي ينتهي سريانه الاثنين، محذّراً من أن العالم النامي سيعاني إذا لم يحصل ذلك.

وقال بلينكن في تصريح خلال منتدى لرابطة «آسيان» في جاكرتا: «إذا مضت موسكو في تنفيذ تهديدها، فإن الدول النامية من بينها تلك الواقعة في المنطقة «ستدفع الثمن»، بما في ذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلاً عن زيادة ندرة الأغذية».

  • شريان حياة

وأسهمت الاتفاقية في السماح للحبوب والأسمدة بالوصول إلى العديد من أصقاع المعمورة، حيث يعاني الملايين من الجوع وسط مخاوف حقيقية بشأن حدوث اضطرابات في الأمن الغذائي العالمي.

ووفقاً لوكالة «أسوشيتد برس»، فقد سمحت مبادرة «حبوب البحر الأسود» بتصدير 32.8 مليون طن متري (36.2 مليون طن) من القمح من أوكرانيا منذ أغسطس الماضي، ليذهب أكثر من نصفها إلى البلدان النامية، بما في ذلك تلك التي تحصل على إعفاء من برنامج الغذاء العالمي.

وقال ماكسيمو توريرو، كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إذا لم يتم تجديد الاتفاق، فسيكون هنالك ارتفاع جديد ومؤكد في أسعار المواد الغذائية.

وأضاف أن مدة ذلك الارتفاع في الأسعار ستعتمد كثيراً على كيفية استجابة الأسواق.

ومع ذلك، فإن العديد من البلدان تعاني بالفعل مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية، مما يساعد على تفشي ظاهرة الجوع.

وساعدت الاتفاقية في خفض الأسعار العالمية للسلع الغذائية مثل القمح الذي سجلت أسعاره مستويات قياسية بعد الحرب، لاسيما في ذلك الوقت الذي يحاول فيه العالم التعافي من آثار أزمة كورونا التي عصفت بدورها بالاقتصاد العالمي.

ونظراً لأن الحرب تسببت بارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة في جميع أنحاء العالم، فقد أُلقي بملايين الأشخاص في براثن الفقر وواجهوا قدراً أكبر من انعدام الأمن الغذائي في الدول الضعيفة بالفعل، وفقاً للأمم المتحدة.

وأوضح جون ستاوبيرت، كبير مديري شركة البيئة والتجارة للغرفة الدولية للشحن والتي تمثل 80 في المئة من الأسطول التجاري العالمي، أنه وبمجرد إبرام صفقة الحبوب، استعاد برنامج الغذاء العالمي المورد الثاني له، ما سمح لـ 725 ألف طن متري (800 ألف طن) من المساعدات الغذائية الإنسانية بمغادرة أوكرانيا والوصول إلى بلدان على شفا المجاعة.

وتصف لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة غير حكومية تهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية والتنمية الدولية، صفقة الحبوب بأنها «شريان الحياة لـ 79 دولة و 349 مليون شخص على الخطوط الأمامية لانعدام الأمن الغذائي».

وقال شاشوات صراف، مدير الطوارئ الإقليمي للمجموعة في شرق إفريقيا، إن منطقة شرق إفريقيا، على سبيل المثال، شهدت العديد من مواسم الجفاف والفيضانات الشديدة، ما أدى إلى تدمير المحاصيل لـ 2.2 مليون شخص يعتمدون على الزراعة لكسب عيشهم.

وأردف في بيان: «من المهم أن يتم تمديد الاتفاق على المدى الطويل لخلق بعض القدرة على الاستقرار» في الأمن الغذائي.

  • مضمون الاتفاق

تم الوصول إلى الاتفاق في يوليو من العام الماضي، حيث تم إنشاء ممر لتمكين استئناف الصادرات من ثلاثة موانئ في أوكرانيا، وهي منتج رئيسي للحبوب والبذور الزيتية.

وتوسطت الأمم المتحدة وتركيا لإبرام الاتفاق للمساعدة على معالجة أزمة غذاء عالمية، قال مسؤولون في الأمم المتحدة إنها تفاقمت بسبب أكثر الحروب دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وبموجب الاتفاق، استأنفت أوكرانيا صادراتها من الحبوب عبر موانئها على البحر الأسود بعد توقفها بسبب الحرب في 24 فبراير 2022.

ويعمل مسؤولون من روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة، على تفتيش جميع السفن في المياه القريبة من تركيا المتجهة إلى أوكرانيا والقادمة منها.

وفي 19 مارس، تم تمديد الاتفاق الذي يتيح تصدير الحبوب الأوكرانية عبر ممر آمن في البحر الأسود على الرغم من الحرب.

واقترحت موسكو تمديد الاتفاق «60 يوماً في بادرة حسن نية» بدلاً من الـ120 يوماً المتفق عليها أساساً، مصرة على وجوب احترام الشق الآخر من الاتفاق المتعلّق بتصدير الأسمدة الروسية.

وعلى الرغم من أن صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة لا تخضع للعقوبات، لكن موسكو تقول إن القيود المفروضة على المدفوعات والخدمات اللوجستية والتأمين تشكل عائقاً أمام الشحنات.

ووضعت موسكو مطالب متعددة لتمديد الاتفاق مثل إعادة فتح خط أنابيب ينقل الأمونيا من روسيا إلى ميناء «بيفديني» الأوكراني، على البحر الأسود للتصدير إلى الأسواق العالمية، وإعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام سويفت للمدفوعات المالية الدولية.

وتعهدت بأنها ستسمح للمزيد من السفن بالمرور الآمن، حال وافقت جميع الأطراف في اتفاق الحبوب على إلغاء العقوبات على الأمونيا الروسية عبر خط أنابيب يمر بالأراضي الأوكرانية إلى «بيفديني» لتصديرها والرضوخ للمطالب الروسية.

  • تأثيرها في أوكرانيا

ويعتمد الاقتصاد الأوكراني على الزراعة، وقبل الحرب، كانت 75٪ من صادراتها من الحبوب تمر عبر البحر الأسود.

ومع ذلك، تريد جمعية الحبوب الأوكرانية إرسال المزيد من الحبوب عبر نهر الدانوب إلى موانئ رومانيا المجاورة على البحر الأسود، قائلة إنه من الممكن مضاعفة الصادرات الشهرية على طول هذا الطريق إلى 4 ملايين طن متري.

وانخفضت صادرات القمح الأوكرانية بأكثر من 40٪ عن متوسطها قبل الحرب، مع توقع وزارة الزراعة الأمريكية تصدير 10.5 مليون طن متري في العام المقبل.

وكانت أوكرانيا قد اتهمت روسيا بإبطاء عمليات التفتيش على السفن ومنع السفن الجديدة من الانضمام إلى المبادرة، ما أدى إلى انخفاض صادراتها الغذائية من 4.2 مليون طن متري في أكتوبر إلى مليوني طن في يونيو.

وأكد ميكولا سولسكي، وزير الزراعة الأوكراني، أن بلاده مستعدة لمواصلة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، في إطار خطة بديلة بدون دعم روسيا، حال انهيار اتفاق البحر الأسود.

وقال سولسكي، لوكالة «رويترز» إن روسيا منعت بالفعل استخدام ميناء «بيفديني» الأوكراني الرئيسي على البحر الأسود، على الرغم من الاتفاق وتسمح لسفينة واحدة فقط في اليوم بإيصال الحبوب الأوكرانية إلى دول معينة، مؤكداً أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي حال انهيار الاتفاق.

وأظهرت بيانات لوزارة الزراعة الأوكرانية، أن صادرات الحبوب في الموسم الجديد 2023-2024، بلغت 276 ألف طن، وبلغت الصادرات في موسم 2022-2023 بالكامل، قرابة 49 مليون طن، متجاوزة كمية الموسم السابق له التي بلغت 48.4 مليون.

وتم شحن معظم الكمية إلى الخارج من الموانئ المطلة على البحر الأسود، بموجب اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا، في يوليو 2022، لمواجهة أزمة غذاء عالمية تفاقمت بسبب الحرب.

وتراجع إنتاج الحبوب في أوكرانيا، وهي واحدة من أهم الدول التي تزرع وتصدر الحبوب، إلى نحو 53 مليون طن في عام 2022 من 86 مليون طن في عام 2021.

وقالت الوزارة إن محصول الحبوب في 2023 قد ينخفض إلى 46 مليون طن.

  • تذليل العقبات

ومن جانبها قالت صحيفة «فاينانشال تايمز» في وقت سابق: «إن الاتحاد الأوروبي يدرس مقترحاً للبنك الزراعي الروسي، لإنشاء شركة فرعية تتيح له إعادة الاتصال بالشبكة المالية العالمية كوسيلة لترضية لموسكو».

وقالت الصحيفة: «إنه في ظل خضوع البنك لعقوبات، تستهدف هذه الخطوة حماية اتفاق تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود التي تتيح لأوكرانيا تصدير الغذاء إلى الأسواق العالمية».

وتأتي هذه الخطوة بعدما قالت روسيا إنها لا ترى أي سبب لتمديد اتفاق تصدير الحبوب إلى ما بعد 17 يوليو، لأن الغرب تصرف بطريقة مشينة تجاه الاتفاقية، لكنها أكدت للدول الفقيرة أن صادرات الحبوب الروسية ستستمر.

وقالت أولها تروفيمتسيفا، السفيرة بوزارة الخارجية الأوكرانية في تعليق على تقرير «فاينانشال تايمز»: «إن الاتحاد الأوروبي يريد تذليل العقبات أمام اتفاق الحبوب بطريقة ما».

وكتبت على تطبيق تيليغرام: «في جانب، أي فرص للصادرات الزراعية جيدة. وفي جانب آخر، فإن تقديم تنازلات للمبتز يعني تشجيعه على مواصلة الابتزاز».

وروسيا وأوكرانيا من أكبر المنتجين الزراعيين في العالم ولاعبان رئيسيان في أسواق الحبوب والبذور الزيتية. وتهيمن روسيا أيضاً على سوق الأسمدة.

  • هل يمكن تجديد الاتفاق ؟

ذكر مصدر دبلوماسي في تركيا لوكالة «تاس» الأحد، أن قرار تمديد مبادرة حبوب البحر الأسود، قد يُتخذ في اللحظة الأخيرة، إذ إنه لا يوجد مؤشر حتى الآن على أن المناقشات وصلت إلى حل وسط.

وأكد المصدر أن تركيا ستبذل جهدها لإطالة أمد الصفقة في الوقت المتبقي قبل انتهاء صلاحيتها، لكن يجب أن تستعد الأسواق لإمكانية تعليق روسيا مشاركتها في الاتفاقية.

وقال بوتين، السبت، إن «التزامات الدول بإزالة العقبات أمام صادرات الأغذية والأسمدة الروسية، والتي كانت جزءاً من مبادرة حبوب البحر الأسود، لم يُوفَ بها حتى الآن، والهدف الرئيسي للاتفاق لم يُحقق»، وهو زيادة إمدادات الحبوب إلى البلدان المحتاجة.

ومن المقرر أن ينتهي أجل اتفاقية حبوب البحر الأسود، غداً الاثنين 17 يوليو/تموز إذا لم توافق موسكو على تمديدها، بينما تراقب الأسواق عن كثب القرار الروسي، وما قد يسفر عنه من تداعيات على الأسواق العالمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2mkpdbe8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"