مشكلة الاستيطان المدمرة

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

بين فترة وأخرى، تعلن إسرائيل، بدعم من المتطرفين في حكومتها، عن مشاريع استيطانية جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس، دون أي اعتبار للقرارات الدولية التي تحظر هذه الخطوات، أو استجابة للنداءات الصادرة من حلفاء تل أبيب، وهو توجُّه يؤكد التصميم على تدمير مسارات السلام، والبقاء في دوامة العنف والإرهاب.

عندما شكل بنيامين نتنياهو حكومته السادسة، المكونة من ائتلاف غير مسبوق التطرف نهاية العام الماضي، كان الاتجاه واضحاً إلى تسريع الاستيطان والاستيلاء على مزيد من الأراضي وتهويد ما أمكن، وطمس أيّ أفق يسمح بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وما شهدته الأشهر الأولى من عمر هذه الحكومة يؤكد ذلك، فقد تمت المصادقة على إنشاء آلاف الوحدات الاستيطانية بالتوازي مع تكثيف عمليات الهدم ومصادرة الأراضي، وما تخللها من اعتداءات دموية على قطاع غزة وجنين ونابلس، راح ضحيتها عشرات الضحايا الفلسطينيين، وآخرون فقدوا منازلهم وأملاكهم، وتم تشريد الآلاف منهم في مشاهد تعيد إلى الأذهان صوراً من النكبة التاريخية، كما حدث مؤخراً خلال اجتياح مخيّم جنين.

السياسة التي تتبعها إسرائيل تجاه الفلسطينيين، تشيع الإحباط وتجفف منسوب الأمل بالتوصل إلى سلام عادل وشامل. والعنف يستجلب العنف. وعندما يجد الشعب الفلسطيني نفسه محاصراً ومضطهداً لن يجد طريقاً غير التمسك بالفعل المقاوم، ومجابهة المحتل وفق مقتضيات ما يتعرض له من اعتداءات يومية ومصادرة لحقوقه العينية والاعتبارية. وربما تبالغ إسرائيل في الوهم إذا اعتقد قادتها أن الرهان على القوة المفرطة والاقتحامات والاغتيالات، يمكن أن تجعل الشعب الفلسطيني يخضع لهذا القهر.

بعد اتفاق أوسلو، الذي تمر ذكراه الثلاثون في سبتمبر المقبل، حاولت بعض الأفكار الترويج إلى أن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين أخذ طريقه إلى الحل، وأن الدولة الفلسطينية المنشودة بدأت نواتها الأولى بإنشاء سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن بعد ثلاثين عاماً لم يبق شيء من ذلك الأمل، بل إن الرقعة الجغرافية المفترض أنها فضاء الدولة الفلسطينية تتقلص وتتآكل، ولم يعد لها أي مدلول على سلطة أو دولة. وهذا الواقع ليس مفاجئاً، لأن إسرائيل منذ عهد إسحق رابين والحكومات المتعاقبة من بعده لم تكن تؤمن أصلاً بالحق الفلسطيني، بل إن نتنياهو قال إن مهمته الحالية تتمثل في اجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية.

الوضع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يبشر بالسلام، طالما هناك فكر متطرف يتحكم بأدوات صنع القرار في تل أبيب، وما شهدته الأشهر الأخيرة من تطاول على القرارات الدولية وانتهاك لما نصت عليه، مقدمة لتصعيد شامل قد ينفجر في أية لحظة، فالفلسطينيون، بمختلف فصائلهم، محبَطون ويشعرون بأن المجتمع الدولي تخلّى عنهم أو هو عاجز عن نصرتهم، وحتى بيانات الشجب والإدانة والتعاطف لم تعد لها فاعلية سياسية، فهي لا تردع إسرائيل ولا تحمي الفلسطينيين. والصورة الإجمالية أن الوضع صعب ويحتاج إلى تدخل ناجع حتى لا تخرج الأوضاع عن السيطرة ويكون فيها الجميع خاسرين وأولهم إسرائيل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2x2djnrt

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"