الحرب الإسرائيلية والإنسانية الذبيحة

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
افتتاحية الخليج

ليس هناك ما يوحي بأن العدوان الإسرائيلي على غزة سيتوقف قريباً، فالمجازر التي تستهدف المدارس والمستشفيات ومرافق وكالة «الأونروا» وخيام النازحين تصدم في كل يوم الرأي العام العالمي بمشاهد مؤلمة لضحايا من النساء والأطفال وكبار السن ممن يعيشون تحت رعب مستمر على مدار الساعة، وتفتك بهم المجاعة والأمراض ولا يجدون مكاناً آمناً يستجيرون به.

بعد عشرة أشهر من الحرب، تواصل الغارات الإسرائيلية تدمير المدمَّر أصلاً وتعاود اجتياح مناطق وأحياء ومدن سبق أن لقيت ذلك المصير، كما حال خان يونس التي تلقّى سكانها أوامر جديدة بالإخلاء بحجة تنفيذ عمليات عسكرية بدأت بالفعل شرقي المدينة يوم توجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن. وبمجرد عودته، ها هي العمليات تتوسع الآن لتشمل خان يونس بأكملها دون أي اكتراث لمعاناة السكان الإنسانية من شح الماء والغذاء والظروف الصحية المزرية، إلى جانب انتشار الأمراض والفيروسات والأوبئة جراء المياه الآسنة وجثث الضحايا المتحللة تحت أنقاض الدمار الذي لا يستوعبه وصف.

إنها مأساة إنسانية في أبشع صورها تدين كل من يواجهها بالصمت واللامبالاة. ويبدو أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن لم تحدث أي اختراق في جدار الأزمة، فلم يغضب الرئيس الأمريكي جو بايدن في وجه ضيفه الإسرائيلي ولم يوبّخه على ما اقترفت يداه من جرائم، بل كرر الخطابات نفسها، التي ملّها العالم، عن ضرورة العمل على عودة الرهائن وإنهاء القتال. وكذلك فعلت نائبته، المرشحة الديمقراطية المفترضة للرئاسة، كاميلا هاريس التي قالت إن الوقت حان لوقف الحرب، لكنها لم تقل متى؟ وكيف؟، أما المرشح الجمهوري دونالد ترامب فقد كان غير مبالٍ بمأساة الفلسطينيين في غزة بسبب انشغاله بالمعركة مع خصومه الديمقراطيين، وتحدث عن سلام سيجلبه إلى الشرق الأوسط، إذا انتُخب رئيساً، من دون تحديد ضوابطه ومعاييره، وما مدى قدرة الولايات المتحدة أصلاً على لعب دور الوسيط النزيه، بعد كل هذا الانحياز الأعمى إلى جانب إسرائيل.

خلال الساعات الماضية، عاد الحديث عن احتمال إنعاش المفاوضات حول هدنة محتملة في غزة، وعن اجتماع ينعقد في روما بين مدير ال«سي آي ايه» الأمريكية ويليام بيرنز ومسؤولين مصريين وقطريين رفيعي المستوى إضافة إلى وفد إسرائيلي. والغاية القديمة المتجددة محاولة أخرى لإتمام صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار، ولكن فرص نجاح هذه الجولة لا تختلف عن سابقاتها، لأنها تحمل في طياتها عوامل الفشل، بسبب تعنّت نتنياهو الرافض أصلاً لأي اتفاق، وها هو يضع شروطاً جديدة أسماها «تعديلات» يحملها وفده إلى روما وتتعلق بوضع عراقيل أمام عودة المهجرين إلى ديارهم في شمال القطاع، بزعم أن ذلك سيسمح بإعادة انتشار المسلحين الفلسطينيين على حدود غلاف غزة.

لقد طالت هذه الحرب أكثر من كل التوقعات، حتى باتت إطالة أمدها سياسة إسرائيلية رسمية لا تريد الحكومة المتطرفة التي يقودها نتنياهو إنهاءها أو الخروج منها، لأن يومها الأخير لن يكون في صالحها وأن «النصر الكامل» الذي تتوهمه لن يتحقق، وسينقلب السحر على الساحر حين تصبح إسرائيل ملاحقة دولياً بفعل ما ارتكبته من جرائم بحق الأبرياء، ومن تجاوزات فظيعة طالت القانون الدولي ومؤسساته الممثلة في الأمم المتحدة، فضلاً عن الإنسانية وقيمها التي أضحت ذبيحة أيضاً في قطاع غزة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddrjudb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"