تطرف المناخ والبشر

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

انتبهت الدول العاقلة مبكراً، ومعظمها غير مسبب للتلوث والقلق المناخي، إلى أهمية الاستثمار في بدائل الطاقة النظيفة التي تحفظ للأجيال المقبلة ما تبقى من خيرات الأرض، أو تعوضها عن المفقود منها بغير رجعة. ومن هذه الدول تنطلق دوماً الدعوات إلى حماية الكوكب الذي يئنّ بممارسات سكانه التي تكاد تحوله إلى جحيم، ثم يتغافل من يتحملون معظم المسؤولية عن إصلاح ما فسد بالبحث عن مواطن أخرى في هذا الكون صالحة للحياة.

 في المقابل، بقيت الدول المسؤولة عن معاناة الأرض من أثقال الصناعة وتغليب المكسب المادي على قيم أرواح البشر، ماضية في ممارساتها التي تضع ملف المناخ في قلب المناورات السياسية، سواء بين القوى الكبرى، أو حتى بين الأحزاب المتنافسة داخل الدولة الواحدة، فإذا قويت شوكة فريق جعل ملف المناخ في نهاية اهتماماته، وحينما يليه نظام آخر يعيده إلى الصدارة. وهكذا يبقى الموضوع حائراً فيما آثار الإهمال البشرى تتبدى في غير مكان من العالم حرارةً غير مسبوقة، وفيضاناتٍ مدمرة، وغير ذلك من صور التطرف المناخي الذي يجابه تطرف البشر في تدمير ما يملكون من خيرات بفعل سياسات مجموعة دول لا مبالية بما يجري وإن اشتركت في اجتماعات وقمم ومؤتمرات موضوعها المناخ.

وفي كل الأحوال، يبقى الأمل في أن تتفتق أذهان القوى الكبرى، خاصة المسؤولة عن هذا القلق المناخي الذي يسود العالم، عن حلول جذرية ليكون هذا الصيف آخر المواسم الحارقة التي تضرب بقاعاً كثيرة من العالم. يعقد البعض آمالاً على وجود جون كيري، مبعوث أمريكا الخاص بتغير المناخ، في الصين. والدولتان، كما هو معلوم، الملوّثتان الرئيسيتان للكوكب، فلعل استئناف الحوار بينهما في هذا الإطار يفيد فيما يخص موضوعات خفض انبعاثات الميثان، والحد من استخدام الفحم وإزالة الغابات، والأهم دعم الدول الفقيرة للتعامل مع تغير المناخ.

ربما يستشعر الطرفان خطورة ما يجري في العالم، بل في أقرب محيط لاجتماعاتهما بشأن المناخ التي تستأنف بعد عام من التوقف، فبكين التي علقت المفاوضات في هذا الشأن مع الجانب الأمريكي قبل عام بعد زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك، تايوان تلامس معدلات الحرارة فيها الأربعين درجة. الحلول المنتظرة من الجانبين الأمريكي والصيني وغيرهما من كبار المتسببين في التطرف المناخي أعمق وأعقل من دعوة كاميلا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، إلى «الاستثمار في تقليل عدد السكان» ليستنشق الأطفال هواء نظيفاً.

وهذا وجه آخر للتطرف في معالجة القضايا يرى في تقليل البشر غفراناً لخطايا بعضهم بحق الكوكب وساكنيه، وليس مفهوماً حتى الآن أي بشر تقصد المسؤولة الأمريكية الاقتصاد في أعدادهم، فأبناء الدول الفقيرة المتلظية بنيران التطرف المناخي لا حول لهم ولا قوة، يمرضون ويموتون في صمت. أما بشر الدول الكبرى فيتطرفون في عشق المناخ، ويعطلون الشوارع والمطارات بأجسادهم العارية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/8z5ppcwx

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"