رسائل إلى السويد

00:51 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

لا يؤخذ بلد بجريرة أحد ساكنيه، سواء كان من أبنائه أو اللاجئين إليه. ولا يمكن رهن صورة دين بعينه بفعل مؤثّم يقدم عليه فرد أو مجموعة من أتباعه، انطلاقاً من «جنون» شخصي أو سياسي يخدم مصالح بعينها. وتلك نقطة خلاف طويل بيننا وبين الغرب بمعظم مفكريه وساسته الذين يصرون على الربط بين الإسلام وتصرفات مرفوضة لبعض أتباعه، لا من باب الجهل بقيم ديننا الحقيقية، ولكن رغبة في الضغط المتواصل علينا وحشرنا في زاوية المُدافع عن نفسه، فلا نقدر على التباهي بما نملك من رصيد حضاري، ولا نستطيع بالتالي، الإقدام على قرار سياسي واثق مستقل. واستلزم الأمر منا، عرباً ومسلمين، صبراً على الأذى وجهوداً امتدت لسنوات لتصحيح الصورة المغلوطة، وفي الوقت نفسه جمع الرموز الدينية والحكماء والعقلاء والمنصفين في العالم في حوارات تجلي لمن يجهل القيم الكبرى التي تقوم عليها الأديان، وتضيء على المشتركات الإنسانية والأخلاقية، بعيداً عن المعتقدات والشعائر وصورها وما فيها من تنوع وتفاصيل لا ينبغي أن تخص إلا أصحابها.

ومن هنا، يعز على الدول والمؤسسات التي بذلت جهوداً في إرساء قواعد هذا الحوار الإنساني قبل كل شيء، أن ترى ثماره في مهب الريح، بل إن ما بعد ذلك من عواقب لا نشتهيه أبداً. ولعل مبعث أسف هذه الدول والمؤسسات أن الخسائر المتحققة حتى الآن، وتلك المنتظرة من تكرار وقائع إهانة الكتاب المقدس الجامع لنحو ملياري مسلم في العالم، بالحرق أو التدنيس أو غيرهما من الصور، لا تواجَه بالجدية المطلوبة من السلطات هناك.

وإذا كان الأمر متعلقاً بالسويد، على وجه التحديد، فهي لا تكتفي بالتقاعس عن منع هذه الإهانات المتكررة منذ شهور، بل تبررها بحرية التعبير الزائف، بوصف الأزهر الشريف. وهو تبرير له من التبعات والآثار في نفوس المسلمين ما لا يمكن تجاهله أو التقليل منه، وقد يقابله بعضهم بما لا نرضى ولا نتمنى، فتتسع دائرة النار حتى تخرج عن السيطرة.

ومن هنا، على الحكومة السويدية أن تعي الرسائل الرسمية المتوالية من عواصمنا العربية والإسلامية. وهي رسائل وإن كانت تعبر عن جموع المسلمين وتجهر برفضهم الإساءة إلى مقدساتهم، فإنها تعيد التنبيه إلى قيمة ما تحقق من صيغ للالتقاء الإنساني بين ممثلي الأديان، وتقول بعبارات عاقلة ومدركة، إن الغضب الشعبي إذا تجاوز الصدور والأفكار، قد يتجسد في ردود أفعال لا حاجة إليها ولا مستفيد منها. لذلك، دعت الإمارات إلى استباق ذلك كله بمنع «الأفعال الشنيعة» المستندة إلى زعم حرية التعبير، تحذيراً من النزاعات التي تنشأ وتتكرر وتتصاعد في العالم متغذية على خطاب الكراهية.

يعز على الإمارات بلا شك تقويض الجهود الدولية، وهي كانت في القلب منها، لإرساء قيم التعايش والسلام والتآخي والتسامح بين الشعوب. وما يحزن أكثر أن تسمح حكومات يفترض رشدها بذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"