عادي
العنوان.. تميمة حظ الكاتب

شرفة قريبة من القارئ

00:01 صباحا
قراءة 6 دقائق
لوحة للنان فاسيلي كاندنسكي

الشارقة: أشرف إبراهيم

عناوين الكتب سواء شعر، أو قصة، أو أعمال فكرية ونقدية، أو دراسات أدبية هي اللقطة الأخيرة التي يحاول الكتّاب أن تكون كاملة ومعبرة وكثيفة الألوان والظلال، هذه اللقطة المحيرة هي التي تستدعي كل ما خزنه المبدع في سطور كتابه لتصور من خلال كلمات قليلة تفاصيل ومشاهدات ورؤى وتصورات، فكيف تصطف لغة العنوان على الغلاف؟ وكيف تغري القارئ من الوهلة الأولى التي تقع فيها عينه على كتاب؟ فكثيرة هي الكتب التي أثارت عناوينها ضجة، وكثيرة هي أيضاً الكتب التي خذلت عناوينها أصحابها، وبعض العناوين كانت بمثابة تميمة حظ للكتاب والمؤلف للمرور إلى عالم الانتشار. وفي هذا الملف من «الخليج الثقافي» نضيء على جمالية وأهمية العنوان.

الصورة
1

كيف يختار الكاتب عنوان كتابه ليصل من أقرب جهة إلى القارئ؟ وماذا أيضاً عن الغموض في متن العنوان أو المباشرة والبساطة أو الإثارة، خصوصاً أن كل هذه العناصر هي حمولات من شأنها أن تمنح الكتاب فرصة للتداول أو تضعه في خانة غير المرغوب، في حين لا يختلف أحد على أن العنوان اللافت يعدّ تميمة حظ لصاحبة إذا وفّق الكاتب في اكتشافه وتلمس مواطنه قبل الطباعة.

يميل الشاعر والقاص عبدالله السبب إلى اقتناص عنوان لافت لأعماله الأدبية، فهو يضع يده على جمر اللحظات الأخيرة، لتبصر ما خطه بيمينه في كتبه، حتى يضع القارئ أمام تساؤلات ربما تدعوه لاقتناص الكتاب من فوق رفوف المعارض التي يعرض فيها، وعلى الرغم من أنه يرى في العديد من إصدارات اليوم غموضاً زائداً عن الحد، فإنه لا يحب أن تكون نغمة عنوان ديوان شعر له جاهز للطباعة ذات حمولة تفوق وعي القارئ؛ إذ يحبّ أن يكون قريباً ممن يحبون الشعر فيقدم لهم على طبق من فضة عنواناً لا تزيغ في أغلب الأحوال عنه الأبصار، وقد استطاع منذ أول أعماله صدوراً أن يحقق هذه المعادلة التي منحته بعداً جمالياً وجعلته يتأنى كثيراً في تسمية دواوين شعره أو مجموعاته القصصية، فهو يعرف جيداً أن العنوان هو العتبة الأولى التي من خلالها يقرر القارئ شراء الكتاب أو الهروب من أمامه فوراً، ولأنه يعيش بذاكرة بصرية فهو يضع عنواناً دالاً غير مقتبس من داخل الأعمال التي يكتبها في الشعر والقصة ويكتفي مثل: «جنازة حب وأشياء أخري، المرايا تحدث أخبارها»، وغيرها من عناوين كتبه التي يتمهل كثيراً في اختيارها؛ حتى يجمع فيها ما بين ذوقه الخاص وذوق الجمهور.

مدى بصري

الشاعرة والناقدة الأدبية د. فاطمة المعمري تعيش لحظات فارقة حين تفكر في اختيار عنوان لأحد كتبها الجديدة، فهي تدرك جيداً المدى البصري الذي تواجه به القارئ حتى يكون الكتاب نفحة عطر تنثر في الوجوه والأمكنة التي يحل بها، وهي على قناعة بأنه يجب أن يجمع العنوان المختار تفاصيل رغم محدودية الكلمات التي تعلق على جدار الغلاف في الزاوية المخصصة له، بحيث يكون محفزاً قوياً للقارئ وهو يجول ببصره بين الإصدارات الأخرى التي تعجّ بها المكتبات ودور النشر في معارض الكتب، وهي بطبيعتها ليست مع أن يكون الغلاف ممتلئاً محيراً غير دال على المحتوى؛ إذ يجب أن يشعر القارئ بالراحة، فالعنوان المدوي هو دعاية فائقة للكتاب، ومن خلال دربتها في هذا المضمار فهي تفرق بين عناوين الكتب الأدبية كالشعر والقصة والرواية، وبين الدراسات الأدبية؛ حيث في الأخير تميل إلى عنوان دال مباشر لا يحتمل تأويلات كثيرة، فكتب الدراسات الأدبية تحمل في مضمونها موضوعاً واحداً يخضع للبحث؛ لذا لا تحتمل عناوين بنفس حمولة عناوين المؤلفات الأدبية، ومن ضمن عناوينها التي تخيرتها لمجموعة من النصوص «الخامس في الغياب، حب من نوع فاخر».

شرفة

ومن منظور الشاعر ناصر البكر الزعابي فإنه قد يقترح عنوان ديوان شعري قبل البدء في كتابة قصائده؛ إذ يتبع الحالة الفكرية التي تتلبسه في أثناء التفكير في مشروع شعري جديد، وهو يختار في المجمل العام عناوين دواوينه من رؤى فلسفية وتصورات عميقة لمحتوي النصوص؛ لذا لا يرغم نفسه على اختيار اسم قصيدة ليضعها على الغلاف كعنوان للكتاب حتى لا يظلم نصوصه الأخرى، فهو يفضل أن يكون العنوان مكثفاً وجميلاً يصلح للرفقة في كل الأوقات، فهو يذهب بعيداً عن كل ما هو تقليدي لكي يكون العنوان محملاً بالمفاجآت، يمر من أمام العيون وهو مزدهٍ بنغمته الخاصة وبريقه الذي لا يحدّ، لذا لا يمانع في اختيار اسم غامض لأحد كتبه، بخاصة أنه وهب أسماء كثيرة لكتبه كانت مغايرة في الطرح تركت حولها أسئلة، لكنها في أغلب الأحيان دعت القراء إلى التعرف إلى ماهية ما في الداخل من خلال العتبة الأولى، إذ يرى أنه من المهم أن يكون العنوان- حتى ولو جاء غامضاً- يعبّر عن المحتوى، ويطل من شرفة قريبة للمتلقي حتى تكون العتبة على الرغم من غرائبيتها جاذبة، ومن ضمن عناوين كتبه التي عرفه من خلالها القراء «خطوة في الفراغ، متهدم مثل حائط، تركت وجهي للمرآة»، مع إيمانه بأن مسألة الاختيار ليست سهلة على الإطلاق، فهي تحتاج إلى عين بصيرة وقدرة من نوع خاص على إغراء القارئ بذكاء وفطنة.

بعد عميق

لا يفضل الشاعر والناقد محمد نور الدين أن تكون عناوين الكتب الشعرية والأدبية سهلة وتدل القارئ بأريحية على طبيعة المحتوى؛ إذ إنه في هذه الحالة قد يكتفي القارئ بنظرة واحدة على الكتاب ويهمّ منصرفاً من المكان، فهو يحب العنوان الجاذب الذي لا يترك فرصة للقارئ كي يتردد في حمله بين يديه واقتنائه، خصوصاً إذا كانت وجهته نحو كتب الشعر والأدب، ومن عادة نور الدين أن يفلسف عناوين دواوينه الشعرية ويمنحها بعداً تصويرياً مشوّقاً في الذهن، فقد حظي أحد دواوينه الشعرية بقراءات نقدية كثيرة واستقطاب من قبل القراء بسبب عنوانه اللافت الذي اختاره بعد تفكر عميق، وهو «أتقنفد شوكاً» ولم يختر هذا الاسم من كلمة وردت في الديوان أو عنوان قصيدة، لكنه زاوج بين كلمتين عبّرتا عن فكرة ومضمون هذا الديوان الشعري المكتظ بالتصورات الفلسفية والألفاظ الغريبة التي توزعت بين الأسطر الشعرية، فهو على قناعة بأن غموض العنوان بدرجة ما قد يفيد الكاتب ويجعل كتابه يتداول بين يدي القراء، أما في الكتب النقدية التي يصدرها فهو يحاول أن تكون عناوينها جاذبة وقادرة على تبصير القارئ بالمحتوي الداخلي؛ لأن هذا النوع من الإبداع لا يحتمل المجازات واستخدام كلمات تحتمل التأويل.

إحساس بالبهجة

ويضع الشاعر خالد الظنحاني نفسه مكان القارئ حين يطيل النظر بين عناوين الكتب؛ إذ يعلم جيداً متى يتلبس الجمهور الحيرة ومتى يودّون لو كان الكتاب غير مغلف من أجل الاطلاع على محتواه بسبب العنوان الفائق في جملته المركبة، فهو على الصعيد الشخصي قد تغريه كلمه كتبها في إحدى القصائد ليضعها عنواناً لديوان له، بشرط أن تكون متعددة الدلالات كثيرة الإيحاءات، تتمتع بأبعادها الفلسفية، ويعتقد أن العثور على كلمة بهذا الشكل لتكون اسم كتاب هو أمر صعب لكنه ليس مستحيلاً، فهو يريد أن يطمئن القارئ للكتاب وأن يجمع أمره في اقتنائه من خلال الوهلة الأولى التي تقع عينه فيها على العمل الأدبي، وأنه لكي يتحقق ذلك فمن الضروري أن يكون المبدع صاحب رؤية في الاختيار لا تقل عن قدرته على الكتابة المغايرة، وقد وضع الظنحاني عنواناً لأحد كتبه وجاء على هذا النحو «أول منزل»، التي زاوج فيها بين كلمتين أتاحت له عنواناً وضع القارئ في تساؤلات، مما ساهم في الإغراء بالاقتناء، وهو أيضاً لا يستريح إلى تلك العناوين التي يختارها بعض الكتاب التي لا تعبر بشكل شفيف عن المحتوى الداخلي، فالعنوان الفارق من وجهة نظره هو الذي يمتلك حضوراً خاصاً ويمنح القارئ إحساساً بالبهجة.

حسن اختيار

يؤمّن الروائي والقاص محمد الهاشمي بأنه من الشروط الأساسية للعنوان أن يكون دالاً على النص يحمل فكرته ورؤيته، وهو ما يجعل من مسألة الاختيار أمراً صعباً، فهناك كتاب وضعوا أسماء مباشرة ويسيرة ونجحت كتبهم وسجلت نسبة عالية في المقروئية بسبب شهرتهم الأساسية، وهناك كتّاب يميلون إلى الغموض في تخير اسم العمل الأدبي ولهم جمهور واسع أيضاً، وعن نفسه فهو يكتب ويترك الشخوص تتوزع على الأسطر بأريحية دون وضع عنوان مسبق حين الشروع في كتابة رواية على الرغم من تحديد رؤيته وإدراك منحى فكرته، وهو ما يجعله يحصل بعد الانتهاء من الكتابة على اسم لم يكن يتوقعه، فقد تخير اسم روايته «رؤيا إبراهيم» بعد أن أتمّ الرواية، ويرى أنه قبل الشروع في كتابة عمل تاريخي توثيقي فإنه يجب أن يتم تحديد العنوان أولاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yanwckrp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"