عادي
العنوان.. تميمة حظ الكاتب

كيف يمكن إثارة اهتمام المتلقي؟

00:04 صباحا
قراءة 6 دقائق
لوحة للفنان بابلو بيكاسو

القاهرة: وهيب الخطيب

عناوين الكتب سواء شعر، أو قصة، أو أعمال فكرية ونقدية، أو دراسات أدبية هي اللقطة الأخيرة التي يحاول الكتّاب أن تكون كاملة ومعبرة وكثيفة الألوان والظلال، هذه اللقطة المحيرة هي التي تستدعي كل ما خزنه المبدع في سطور كتابه لتصور من خلال كلمات قليلة تفاصيل ومشاهدات ورؤى وتصورات، فكيف تصطف لغة العنوان على الغلاف؟ وكيف تغري القارئ من الوهلة الأولى التي تقع فيها عينه على كتاب؟ فكثيرة هي الكتب التي أثارت عناوينها ضجة، وكثيرة هي أيضاً الكتب التي خذلت عناوينها أصحابها، وبعض العناوين كانت بمثابة تميمة حظ للكتاب والمؤلف للمرور إلى عالم الانتشار. وفي هذا الملف من «الخليج الثقافي» نضيء على جمالية وأهمية العنوان.

عندما ينتهي كاتب من مسودة مؤلفه النهائية، يقفز إلى ذهنه السؤال الذي يظن أن من خلال إجابته سيدخل قوائم «الأكثر مبيعاً»، ما العنوان المناسب؟ صحيح أنه منذ بداية التأليف ربما يكون قد وضع عنواناً أولياً، لكن مسار الكتابة نحا إلى طريق جديد، وبافتراض أن «صاحبنا الكاتب» توصل إلى عنوان «يحبه»، فهناك من يقلل من احتمالية تأثير هذا العنوان في فرص الانتشار وإحصائيات المبيعات.

إذاً، ما الذي يجعل عنوان الكتاب جيداً حقاً؟ على الرغم من عدم وجود طريقة مؤكدة لصياغة العنوان المثالي، وعلى نحو مثير للصدمة، هناك القليل من الإرشادات المفيدة المتوفرة حول عنونة الكتب، فإن النصائح القليلة المتوفرة يمكن أن تسهم في العثور على العنوان المناسب، الأمر الذي يعزز الكتاب ويمنحه أفضل فرصة للنجاح.

ومؤكد أن جميعنا سمع المقولة الشهيرة «لا تحكم على الكتاب من عنوانه»، وفي حين أن هذا القول المأثور هو تحذير مرحب به ضد الأحكام المتهورة، فإن الكُتّاب وناشري الكتب يحتاجون في الواقع إلى معرفة كيفية عنونة الإصدارات من أجل جذب القراء المحتملين وزيادة المبيعات، إلى الدرجة التي يمكن القول معها «الكتاب يبين من عنوانه».

وفي سياق البحث عن «مسمى الكتاب»، ربما يلاقي المؤلف نصائح جميعها غير مفيد، كأن يقال له اتجه إلى المكتبات وتصفح العناوين الجذابة، أو أن يقال له «لا تكترث» فالانشغال بالعناوين «مضيعة للوقت»، أو اجنح بخيالك واختر ما يحلو لك، جميعهم مخطئون.

فالأمر يستحق بعض العناء والتخطيط، تماماً مثل الشركات التي تنفق الملايين على تسمية منتجات جديدة، هذا قرار مهم للغاية، يجب على المؤلفين اتخاذه بطريقة صحيحة، فالعنوان أهم قرار تسويقي.

قصة نجاح

عناوين الكتب أول ما يراه القارئ المحتمل. ويؤدي العنوان الجيد إلى إثارة اهتمام القراء، وتبدو العناوين «ثانوية» بالنسبة إلى المتون، لكنه يمكن أن يجعل رواية أو كتاباً واقعياً لا يُنسى كثيراً في أذهان القراء. هنا، يجب الاحتراز والقول بأن العنوان الجيد لن يؤدي إلى بيع الكتاب بطريقة سحرية، لكن العنوان السيئ يعوق المبيعات في أحسن الأحوال، وفي أسوأها، ينفر القراء.

هنا يشير موقع scribe Media إلى مثال يصفه ب«الأمثل»، للتدليل على أهمية عنوان الكتاب، هو تغيير العنوان الذي أدى إلى أن يصبح الكتاب الغامض الأكثر مبيعاً ويحتل رقم 1. ففي عام 1982، أصدرت نورا هايدن كتاباً بعنوان «الحب الفلكي المنطقي»، ولم يحقق أي نجاح يذكر، ثم أخذت الكتاب نفسه، وغيرت جزءاً صغيراً من المحتوى، وبدلت العنوان الأصلي إلى آخر مختلف: «كيف ترضي امرأة في كل مرة». يكشف الموقع في تقريره أن الكتاب أصبح ظاهرة ثقافية هائلة، وبات رقم 1 في قوائم الأكثر مبيعاً. الكتاب نفسه، والمحتوى ذاته، فقط عنوان مختلف.

مجرد شارة

إذا عدنا إلى التراث العربي، فإننا نجد كما يقول الناقد المصري محمد حسن عبدالله، في دراسته «العنوان في التراث العربي»، أن الاهتمام بالعنوان يشغل مساحة واضحة في اهتمام الدراسات النقدية المعاصرة، غير أن الاهتمام بالعنوان في التراث محدود جداً، أو متعجل، أو خاضع في قراءته لمفاهيم نقدية وفلسفية غربية، أو بعبارة أخرى: ليست من ابتداع العقل العربي أو ثمرة لتأمل نشاطه في هذا الاتجاه (اتجاه العنونة)، كما أنها لم تكن متشبعة بالمفاهيم والتوجهات التي حددت مسار هذا التراث العربي عبر القرون.

ولم يهتم العرب الأوائل كثيراً بعنونة مؤلفاتهم، واعتبروا العنوان مجرد شارة تمييزية للعمل، وليس شرطاً أن تكون دالة على المحتوى المقدم، إنما مجرد لافتة يتعارف بها الناس على الكتاب، حتى إننا نجد مستوى من العجب لغرائب العناوين التي نصادفها في مؤلفات تراثية عربية في شكل «كتب» أو «رسالة»، مثل: رسائل الجاحظ، ورسائل إخوان الصفاء، أو أن يكتفي الشعراء بتسمية قصائدهم بمطالعها، فنقول قصيدة «هل غادر الشعراء» لعنترة، و«قفا نبك» لإمرئ القيس، و«بانت سعاد» لكعب بن زهير، وهكذا.

ورغم أن «العنوان» ظاهرة قديمة جداً، وأنه يشغل مكاناً في الإدراك الفطري للأشياء، فإن ظاهرة العنونة في التراث العربي، ومع ما تتسم به من الغرابة والطرافة، فإنها بحسب دراسة عبدالله، لم يلتفت إليها باحث قديم، وإن جرى التعليق على بعض منها.

ويتوقف ابن خلدون ليشرح سبب اختيار أبي الفرج الأصفهاني لعنوان كتابه الأشهر في التراث العربي «الأغاني»، فيقول «ألفَ القاضي أبو الفرج الأصفهاني كتابه في الأغاني، جمع فيه أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم وأيامهم ودولهم، وجعل مبناه على الغناء في المئة صوت التي اختارها المغنون للرشيد»، ومن ثمّ جاءت تسمية الأغاني للإصدار الأهم في التاريخ الأدبي القديم.

ثلاث سمات

في تقرير على موقع Master Class، نقرأ أن العناوين الجيدة لها سمات مشتركة معينة. قد يكون من المفيد تدوين قائمة بعناوين بعض الكتب المفضلة والتفكير في ما يجعلها تعمل كعناوين. لكن ذلك لا يمنع أن يشير التقرير إلى أهمية «القصر»، فعادةً تكون العناوين الأكثر تميزاً في الجانب الأقصر ومن السهل تذكرها.

أما السمة الثانية، فهي أن يحتوي العنوان على تلاعب بالألفاظ. ويذكر التقرير أن عناوين الروايات هي عرض صغير لقدرات المؤلف. على هذا النحو، من المهم التوصل إلى عنوان رائع يُظهر للقراء المحتملين القليل من مهاراته في الكتابة. أمّا السمة الأخيرة، فعادة العناوين اللافتة «لا تنسى وفريدة من نوعها»، أو هكذا يجب أن تكون، ويمكن التعرف إليها بسهولة.

ومن الجدير هنا أن يلقي المؤلف نظرة على العناوين التي نجحت في الفرع الذي يكتب فيه، وأن يدرس هذه العناصر ويفكر في سبب نجاحها، والوقوف بشيء من التأمل أمام الكلمات الرئيسية أو العبارات التي يتردد صداها مع الجمهور المستهدف، وتحليل الاستخدام الإبداعي للتورية والاستعارات.

مفاتيح

في سبيل التعرف إلى كيفية اختيار العناوين، يكتب الباحث دانيال كليري مقالته «مفاتيح لكتابة عنوان رائع»، ويقدم من خلاله سلسلة من الخطوات لاختيار عنوان «مثالي». وأول هذه المفاتيح، تحديد الرسالة والهدف من وراء الكتاب أو الفكرة المركزية التي ينقلها الإصدار. ما يعني أن يشير العنوان إلى «الموضوع الرئيسي» الذي يود المؤلف أن يناقشه مع جمهوره.

ويضيف كليري: «لشرح الرسالة الأساسية لكتابك، اسأل نفسك عن المشكلة أو الحاجة إلى عناوين، والمنظور الذي يقدمه للقراء. في بعض الحالات، سيقدم كتابك حلاً للجمهور. من خلال التقاط الرسالة الأساسية في العنوان، يمكنك إثارة اهتمام القراء المحتملين وحثهم على معرفة المزيد حول المتن».

المقال الذي نشر على موقع Key to writing، يشدد على أهمية البساطة في عملية العنونة، ومهما كان الكتاب «معقداً» أو مركباً، وسواء كان سرداً تعليمياً غير خيالي أو سرداً ضارباً في التجريب، فإن إبقاء الأشياء بسيطة هو أفضل طريقة يمكن اتباعها عند صياغة العنوان المثالي.

ويستدرك كليري في التنبيه من مغريات العناوين المجازية، الضاربة في الشعرية، ويقول: «محاولة أن تبدو شاعرياً للغاية أو إضافة سياق غير ضروري في العنوان الخاص بك، يمكن أن يبعد القراء»، مسدداً النصيحة الخاصة بوجوب أن يكون لديك عنوان يوحي بأنك حريص ومراعٍ في اختيارك للكلمات، في إشارة إلى أنه سيكون من السهل أيضاً الاستثمار في كتابك.

عصر الديجتال

ولأننا بتنا في عصر التكنولوجيا الفائقة، وتنوعت وسائط النشر، وأصبح النشر الرقمي وسيلة فعالة وناجحة في إصدار المؤلفات، ما يعني ضرورة العناية بمحركات البحث وكيفية تحسينها أو ما يعرف بSEO، ويرى دانيال كليري أن أفضل ممارسة لتحسين محركات البحث هي تضمين المصطلحات ذات الصلة التي قد يكتبها القارئ عند البحث عن الموضوع أو النوع في الاعتبار.

وعند التفكير في تحسين محركات البحث، فمن الحكمة إجراء تحليل مدى تشبع هذه المصطلحات في عناوين كتب المؤلفين المنافسين، إذا كان كتابك مكتوباً حول موضوع نوقش من قبل، فابحث عن طريقة للتميز باستخدام مرادفات ذكية أو من خلال اتخاذ زاوية مميزة تماماً تجذب الاهتمام.

عناصر متكاملة
رغم العناية بصياغة عنوان جيد، فإن العنوان عموماً لا يزال مجرد عنصر من جملة عناصر مرتبطة بالنشر، بجانب صياغة ملخص قوي واختيار غلاف رائع، وقبل كل شيء محتوى مختلف ومبتكر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/etrhbv7j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"