«يوليو» وما تبقى منها

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

رغم بلوغها عامها ال71، لا تزال ثورة 23 يوليو 1952، محوراً لتساؤلات كبرى تعكس قيمتها كحدث فارق في تاريخ مصر ومحيطيها العربي والإفريقي، بل إنها تجاوزت ذلك بما نسجته من علاقات مع حركات تحررية في العالم.

وهذه التساؤلات تتكرر في كل عام، ولا تزال ميداناً لمعارك قديمة جديدة بين ثورة يوليو وأعدائها التاريخيين، وفي مقدمتهم جماعة «الإخوان المسلمين»، وأنصارها الذين لا يزالون يعتبرونها تحولاً جذرياً في تاريخ المصريين، وبالأخص من جهة ما أنجزته من مكاسب ارتبطت حصراً بوجهها الأبرز جمال عبدالناصر، ومن بين هؤلاء الأنصار من يعلي «الناصرية»، بوصفها فلسفة حكم تبناها عبدالناصر وترجمها في صورة إنجازات كثيرة على الثورة نفسها، حتى أصبح ذلك من الجدليات المستقرة في النقاشات المصرية والعربية حول تلك المرحلة من تاريخنا.

وأبرز التساؤلات القديمة الجديدة، يتعلق تحديداً بما تبقى من ثورة يوليو، وبالأحرى من مبادئها ومكاسبها التي قامت عليها فكرة «الناصرية» في مواجهة ما اعتُبر انقلاباً على عهد عبدالناصر منذ بداية عهد خلفه أنور السادات الذي بدأ بانحناءة شهيرة أمام تمثال ناصر، وتعهد بالسير على خطاه، ثم أصبح من النوادر السياسية المتداولة أنه سار عليها، لكن بممحاة لم تبقِ منها شيئاً.

هذا الاشتباك الناصري الساداتي لم ينته بغياب «بطل الحرب والسلام»، بل امتد إلى عهد حسني مبارك، المتهم أيضاً بتبديد بعض إنجازات عبدالناصر في ما يخص القطاع الصناعي الذي طالته الخصخصة وما رافقها من ظلم للعمال لمصلحة رجال الأعمال، وكانت ثورة يناير 2011 مناسبة جديدة لرفع صور عبدالناصر فوق الأعناق في الميادين، لكنه أصبح في مرمى نيران «الإخوان» أثناء تصدرهم المشهد السياسي الخاطف، فخلاله سنحت لهم فرصة النيل من عبدالناصر، وشاعت عبارتهم الشهيرة «الستينات وما أدراك ما الستينات» في مسعى للانتقام منه.

مع بروز عبدالفتاح السيسي وزيراً للدفاع ثم رئيساً، اعتبره البعض نسخة جديدة من عبدالناصر، ربما لتصديه التاريخي لجماعة «الإخوان»، وشعبوية خطاباته، وتصدّر علاقات مصر بدائرتها العربية سياساته، وربما لحرصه على بقاء الجيش المصري قوياً تمسكاً بأحد أهداف ثورة يوليو. والاحتفاظ بجيش وطني قوي إحدى الضرورات في مصر وأي بلد، خاصة في منطقتنا التي سعى البعض إلى كسر مؤسساتها لمصلحة ميليشيات تختطف السلاح الشرعي وتوظفه لمصالح بعينها، والانتباه مبكراً إلى خطورة ذلك يعتبره البعض من حسنات ثورة يوليو، بل الحسنة الوحيدة الباقية التي لا جدال حولها، بينما يمكن أن يتسع النقاش حول ما تحقق بفعل الثورة من عدالة اجتماعية، أو إقامة حياة ديمقراطية سليمة، وهما من مبادئها الكبرى.

ما لا يمكن إنكاره أن النهج العروبي، وإن فتر حيناً، فهو قيمة أرستها ثورة يوليو، ومنجزها الأدبي والثقافي والفني مستقر في الوجدان العربي، وسيبقى طويلاً من عوامل الوحدة في ظل العجز عن الإتيان بمثله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckn43wk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"