الهجرة مشكلة أخلاقية

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

مشكلة الهجرة غير الشرعية جرح مفتوح ينزف في مناطق عدة من العالم، ففي كل يوم يسقط مئات الضحايا، خصوصاً في البحار والمحيطات، بينما تكتظ الحشود، بالآلاف، على حدود الدول الغنية، خصوصاً الأوروبية منها. ورغم المآسي المتكررة، والحالات الإنسانية التي تفطر القلوب، يظهر المجتمع الدولي عاجزاً، من دون مبرر، عن معالجة هذه القضية الحرجة جداً.

في الأشهر القليلة الماضية، ابتلع البحر الأبيض المتوسط آلاف الضحايا من جنسيات مختلفة، من إفريقيا وآسيا، من ضمنهم مواطنون عرب من بعض البلدان المأزومة، اقتصادياً وسياسياً. وطوال تلك الفترة أيضاً، شهدت العلاقات بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي، سجالاً طويلاً، وضغوطات وإغراءات، في محاولة لدفع السلطات التونسية إلى أن تمنع عبور المهاجرين، وتسمح بإقامة مخيمات مؤقتة للقادمين من دول جنوب الصحراء الإفريقية، وللمرحّلين من الضفة الشمالية للمتوسط، وهذا ما ترغب فيه إيطاليا، على وجه الخصوص، لأنها الأقرب إلى السواحل التونسية والليبية، وبضغط من حكومتها اليمينية، دخلت روما في خلافات مع العواصم الأوروبية الأخرى، منها باريس التي شهدت «مصالحة»، قبل أسابيع، بين قيادتي البلدين، ممثلتين في الرئيس إيمانويل ماكرون، وجورجيا ميلوني، ومع ذلك لم تنته الخلافات بالمطلق بين روما وباريس.

مشكلة الهجرة المتفاقمة لا يمكن حلّها بالإجراءات الأحادية، ولا بإغلاق الحدود، أو فرض إملاءات على الآخرين، بل الحل القابل للاستدامة يفرض مشاورات صريحة بين مختلف الأطراف ذات الصلة بهذه القضية. فالدول الأوروبية مثلاً، تريد أن تحمي استقرارها المجتمعي بعدم استقبال المزيد من الباحثين عن عمل، في الوقت الذي تعاني فيه معظم تلك الدول أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة، تتمثل في ارتفاع نسب التضخم، وزيادة معدلات البطالة. ونظراً إلى أن هذه المشاكل تتفاقم ولا توجد لها حلول في المدى المنظور، فإن أوروبا ستظل مستنفَرة لمواجهتها، وربما تلجأ إلى تكثيف الضغوط على دول شمال إفريقيا التي تواجه، بدورها، ضغوطاً كبيرة من الداخل، بسبب الأعباء الاقتصادية، وهشاشة الأوضاع الأمنية، لا سيما في ليبيا التي تعتبر بوابة رئيسية لعبور المهاجرين الأفارقة، سواء إلى تونس، أو عبر البحر المتوسط مباشرة إلى الأراضي الإيطالية.

قضية الهجرة غير الشرعية معضلة إنسانية متعددة الفصول والمآسي، وفي غياب إحصاءات رسمية لعدد ضحاياها، إلا أن الثابت أن عشرات الآلاف يقضون سنوياً، في عمليات عبور الحدود والبحار، وهو رقم أعلى أضعافاً من ضحايا أي حرب، أو نزاع مسلح، مثل ذلك الذي في أوكرانيا، والمفارقة المؤلمة أن هؤلاء الضحايا لا بواكي عليهم، وحتى عبارات التعازي فيهم، أو التضامن مع ذويهم تأتي على هامش بعض المناسبات. وهذه الازدواجية في المشاعر تضيف أبعاداً أخرى إلى هذه المأساة التي ينظر إليها البعض كأنها حوادث عادية، أو أن ضحاياها ليسوا من البشر.

إن هذه المأساة قضية أخلاقية في المقام الأول، وعلى المجتمع الدولي أن يجد حلولاً لها على هذا الأساس، قبل أي شيء آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3czwtxmy

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"