تونس وضرورة تنويع الشراكات

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

وقعت تونس مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي من أجل شراكة شاملة واستراتيجية، وذلك بعد مباحثات معمقة تهمّ عدة قضايا أهمها الطاقة والاستثمار وطبعاً الهجرة.

واضح أن الأوروبيين سعوا في الفترة الأخيرة وبدفع قوي من إيطاليا وهولندا إلى عدم إهدار فرصة التعاون مع تونس، ومساعدتها على تجاوز أزمتها الاقتصادية وهو ما يتسبب في تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية. والحقيقة أنّ الأوروبيين يدركون أن انهيار تونس هو الكارثة التي تهدد الأمن الأوروبي لقربها الشديد من الحدود الجنوبية للقارة العجوز. والأوروبيون درسوا مخلفات تحطيم الدولة الليبية، وأهمها تفاقم المخاطر الإرهابية والاتجار بالبشر عبر شبكات دولية عابرة للقارات والدول. ولكن حاجة الأوروبيين لتونس تتجاوز هذه العوامل إلى عامل آخر أكثر أهمية وهو ملف الطاقة، حيث إنه وبحسب جميع الدراسات المتعلقة بالطاقات المتجددة وخاصة الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية ستكون من الدول التي لها وزنها الثقيل في الأسواق الدولية في المستقبل. وعليه فإن الاتحاد الأوروبي يضع قدمه في بلد تنافسي في هذا المجال، ويحصل على حصته من سوق دولية تقدر قيمتها المستقبلية بمئات مليارات الدولارات، ولم ينتظر الأوروبيون كثيراً في هذا المجال حيث تمت المصادقة على مشروع الكابل البحري الذي سيكون الشريان الطاقي الذي سيغذي أوروبا انطلاقاً من الصحراء التونسية وعبر إيطاليا.

إذن هل تكون هذه الشراكة مجرّد اتفاقية اقتصادية سيربح منها الأوروبيون، بينما تظل تونس على فقرها؟ الأمر مختلف تماماً هذه المرة، ومختلف عما سبقه من اتفاقيات تم توقيعها في الماضي مثل اتفاقية الشراكة في العام 1995، واتفاقية الشريك المعمق في 2018، فضلاً عن مشروع اتفاق لم يكتمل ويخص رتبة الشريك المميز من خارج الاتحاد الأوروبي. ومرد الاختلاف أن في تونس رئيساً يؤمن بأن مصالح تونس تأتي أولاً وقبل كل شيء، والثاني أن الفريق المفاوض التونسي استطاع أن يقول هذه المرة لا لكل المحاولات التي أرادت أن تجعل من تونس مجرد حرس حدود بحري لجنوب أوروبا مقابل بعض الفتات المالي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. والرئيس التونسي قال في أكثر من مرة وأمام الجميع إن تونس لا يمكن أن تكون حارسة إلا لحدودها، وشدد أيضاً على أن تونس ترفض توطين المهاجرين وهذا ما جعل الأوروبيين يغيرون بدائلهم أمام جبهة الصد التونسية، ويبحثون عن تعاون حقيقي شامل في كل المجالات وليس من أجل خدمة أهدافهم. أما العامل الآخر الذي أدركه الاتحاد الأوروبي، أنه ليس من مصلحة دوله أن تكون تونس في الجبهة المقابلة ونقصد بها التحالف الروسي والصيني وقد قال وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاياني في أكثر من مرة «إما نحن أو روسيا والصين» وذلك في حديثه عن ضرورة منح تونس قرضاً من صندوق النقد الدولي ودون شروط مسبقة. 

وهنا يجد المفاوض التونسي فرصة للمناورة، فعملية تقييم للاتفاقيات الماضية تجعل تونس تتوجس خيفة من الأوروبيين، ولذلك فرضت عبارة الازدهار المشترك في مذكرة التفاهم، كما أنها في نفس الوقت أرسلت وزير خارجيتها نبيل عمار إلى دول الخليج العربي لبحث فرص تعاون واستثمار جديدة تحقق التنمية والازدهار وتوفر فرص الشغل وتحقق الأرباح للمستثمرين العرب، وأن تونس أرادت أن تقول للأوروبيين لن تكونوا وحدكم في المستقبل في الساحة التونسية، بل إن منافسين أقوياء سيأتون إلى قرطاج وسيوقعون شراكات استراتيجية عميقة، تحقق ذات الهدف وهو الازدهار المشترك. وهذه قاعدة المعاملات في السياسة الدولية ما بعد جائحة كوفيد - 19 وما بعد حرب أوكرانيا التي غيّرت موازين القوى. 

تونس يجب أن تستغل هذه التغيرات وتنوع شراكاتها الاقتصادية من أجل تحقيق نهضة شاملة في جميع الميادين وحتى تستعيد قرطاج صورتها التاريخية التي كانت تفرضها في قلب المتوسط.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfrhpf3

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"