قمة باريس للميثاق المالي العالمي الجديد

21:39 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

على مدى يومين (22-23 يونيو 2023)، نظمت فرنسا، ما أطلقت عليه قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد، بهدف – كما قالت - «إعادة التفكير في الهيكل المالي العالمي»، والبحث عن مصادر تمويل للبلدان النامية ذات الدخل المنخفض التي تواجه مشاكل العبء التنموي لمديونياتها، والفقر، وتغير المناخ. ولحسن الحظ أن الاجتماع انتهى قبيل اندلاع الاحتجاجات العنيفة في المدن الفرنسية التي انفجرت تحت وطأة ضغط أحزمة البؤس المتمددة فيها.

نوقشت في المؤتمر القضايا الرئيسية التالية: إعادة تخصيص 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (SDR) لصندوق النقد الدولي (أي أن موضوع التزام الدول المتقدمة في 2009 بتقديم المائة مليار دولار سنويا بحلول عام 2020، يتم الابتعاد عنه عملياً)؛ وجرى الاتفاق على الحاجة لبنك دولي متعدد الأطراف (إصلاح البنك الدولي الحالي الخاضع للدول المتقدمة) بهدف حشد أكبر قدر من الموارد المالية الحكومية والخاصة؛ وعلى الحاجة للعمل أكثر على «فرض ضريبة دولية».

يهدف الأوروبيون، كما اتضح من عنوان وجدول أشغال ومناقشات المؤتمر، من وراء ما أسموه تحويل النظام المالي العالمي الحالي، أن يتصدر الأوروبيون والأمريكيون للتحركات الدولية الرامية تشكيل النظام المالي الدولي الجديد إذا ما نجحت الصين وشركاؤها في مجموعة ال 77 (133 دولة نامية)، برسم الأمر الواقع، في فرض أجندة عالمية لإحلال نظام دولي جديد للتمويل وللمدفوعات الدولية واحتياطياتها، محل النظام المالي والنقدي العالمي الحالي. هذا أولاً، وثانياً، تحقيق هدف تنصّلهم من دفع التزاماتهم المالية تجاه قضايا المناخ، وهي التي اخترعوها وروّجوها وأحالوها إلى مادة يومية للتداول السياسي والاقتصادي الدولي؛ وذلك عبر آلية ضريبة الشحن المقترحة، والضرائب الأخرى قيد البحث في أروقة المفوضية الأوروبية في بروكسل.

معلومٌ أن ولاءات معظم الدول الجزرية في مفاوضات المناخ، مجيرة لصالح الاتحاد الأوروبي الذي يقدم لساستها بعض الدعم الخاص، وليس مجيراً، كما هو متوقع، لصالح المجموعة التفاوضية للدول النامية (مجموعة ال 77+الصين) التي تنتمي إليها هذه الدول الجزرية. لذلك، حتى ممثل جزر مارشال يتطوع للدفاع عن الموقف المضمر للأوروبيين، فيزعم بأن «هذا المال ليس لسد الفجوة التي فشلت فيها الدول المتقدمة». مع أن الأمر واضح لا لبس فيه. لكن تصريحه تتم إذاعته على نطاق واسع في أوروبا باعتباره شهادة من دولة نامية. فالمبادرة «الباربادوسية» ترمي إلى تحويل مسؤولية تمويل استحقاقات المناخ من الحكومات الغربية حسبما تنص عليه الاتفاقية الأم (UNFCCC) واتفاق باريس للمناخ، إلى القطاع الخاص الذي تُقدِّم له المبادرة فرصة للاستثمار التجاري في العمل المناخي في الدول النامية. لكن لا أحد يتحدث حتى الآن عن جهة التمويل، ربما لحين التيقّن من أن المبادرة قد مكّنتهم من التملّص من هذه المسؤولية. فما زال أمامهم عمل للتغلب على الرفض الذي قوبلت به المبادرة من جانب دول نامية مهمة. فقد قادت البرازيل دول أمريكا اللاتينية لمعارضة هذا المقترح في اجتماع المنظمة البحرية الدولية “International Maritime Organization” الذي عقد أواخر شهر يونيو 2023. فهذه الدول، والدول النامية عموماً، لن تتحمل أي ارتفاع في تكاليف الشحن من شأنه التأثير على صادراتها، ومعظمها منتجات رخيصة وثقيلة مثل فول الصويا الذي يتم شحنه إلى أماكن بعيدة مثل الصين.

يبرر الأوروبيون مطالبتهم بفرض ضريبة الشحن، بأن النقل البحري العالمي استفاد كثيراً من العولمة، لكنه مساهم كبير أيضاً في إجمالي الانبعاثات العالمية (نحو 3%)، ومع ذلك لا يدفع ضريبة على هذه الانبعاثات، فضلاً عن عدم خضوع شركات الشحن لضريبة دخل الشركات العادية في أي مكان في العالم، في وقت وصلت فيه أرباحها إلى مستويات غير مسبوقة. وهم يستشهدون بالضريبة الرقمية “Digital tax” التي فرضت على شركات التكنولوجيا الرقمية (في أكتوبر عام 2021، اتفقت 137 دولة، بما فيها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة العشرين، على فرض ضريبة نسبتها 15% على شركات التكنولوجيا الرقمية). وكما هو متوقع، سوف يعمد الاتحاد الأوروبي، كالعادة، للضغط على الدول الجزرية الصغيرة (مثل جزر مارشال الواقعة في المحيط الهادي، التي خنقوها من تلويحات الاختفاء بسبب انبعاثات الكربون)، وتنسيق موقفها التفاوضي معها لتمرير الضريبة.

القضية، كما هو واضح، بالغة الأهمية والخطورة. والأكيد أن الضغوط الأوروبية سوف تتواصل من أجل فرضها على جداول أعمال ونقاشات اجتماعات العمل المناخي المقبلة، وبضمنها مؤتمر الأطراف القادم في دولة الإمارات العربية المتحدة. ويتعين منذ الآن أن تضعها الدول النامية ممثلة في مجموعة ال 77+الصين، في حسابات الربح والخسارة، قبل التوافق على موقف موحد بشأنها.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mv67sazc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"