جدلية سلامة اللبنانية

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

مهما كانت النظرة إلى رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان المركزي الذي غادر منصبه قبل يومين، يبقى حالة إشكالية تعكس صورة الواقع اللبناني التي أفرزت تناقضات مركبة تحمل في ثناياها سلبيات وإيجابيات، يصعب الحكم عليها من النظرة الأولى.

غادر سلامة منصبه وهو يودع موظفيه على وقع الموسيقى، وهو بلا شك يطوي صفحة من حياته الشخصية ومن تاريخ لبنان، فاتحاً بذلك الباب أمام مرحلة جديدة للمصرف المركزي يقودها بصورة مؤقتة نائبه الأول وسيم منصوري، إلى أن يتم تعيين خلف أصيل له في قادم الأيام. لكن سلامة لن يتوارى إلى الظل، بل سيبقى في دائرة الضوء، بعد أن انتقل من حاكم للمصرف المركزي إلى عهدة القضاء الذي سارع إلى تحديد موعد لاستجوابه بعد 48 ساعة من انتهاء ولايته، وهذه المرة بلا حصانة، التي كان منصبه السابق يوفر له بعضاً منها. ذلك أن سلامة الذي أنتجته الطبقة السياسية المتنفذة والفاسدة، قبل 30 عاماً، ظل ابن هذه الطبقة وحامياً لمصالحها، مقابل توفير الحماية اللازمة له.

لكن مفارقات الواقع اللبناني وتناقضاته تجسدت في هذه الشخصية التي كانت يوماً تمثل أنموذجاً للنجاح، وتتلقى الجوائز، وفي بعض المراحل كانت تجد من يدعم ترشيحها لرئاسة الجمهورية، بعد أن تحولت إلى عراب استقرار الليرة وانتعاش الاقتصاد في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، فأصبح ينظر إلى سلامة بعد عام 2019 على أنه جزء من الانهيار المالي وفقدان الليرة 98 % من قيمتها، وسط أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، تسببت فيها الطبقة الحاكمة بمجملها، وصنفها البنك الدولي على أنها من بين الأسوأ في العالم. الأكثر سوءاً بالنسبة لسلامة أنه وجد نفسه منذ نحو عامين ملاحقاً قضائياً داخل لبنان وعلى امتداد العالم بتهم كثيرة، بينها استغلال المال العام والاختلاس، وتبييض الأموال، والإثراء غير المشروع. إذ بناء على تحقيقيات أوروبية تشتبه في أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية وأساء استخدام أموال عامة، خلال توليه حاكمية مصرف لبنان، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ مذكرتي توقيف في حق سلامة، جرى تعميمهما عبر الإنتربول، وقرر القضاء اللبناني بناء عليهما منعه من السفر ومصادرة جوازي سفره اللبناني والفرنسي. لكن السلطات الفرنسية لم تسلم لبنان طلب استرداد بحقه بناء على مذكرة التوقيف الغيابية.

ورجح مصدر دبلوماسي أوروبي أن تنطلق محاكمته في باريس خلال الفترة المقبلة، بعد توافر المعطيات كافة أمام المحققين. وبموازاة ذلك، يقود القضاء اللبناني تحقيقاً محلياً حول ثروة سلامة، وقد فرض قبل أسبوعين حجزاً احتياطياً على ممتلكاته. وهو ما سيترك الكثير من التكهنات حول مصيره ومصير ثروته النقدية والعقارية التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات، خصوصاً بعد الحجز الاحتياطي على ممتلكاته في لبنان وفرنسا ودول أوروبية أخرى. غير أن السؤال يبقى حول ما إذا كان بمقدور الطبقة السياسية حمايته هذه المرة، أم أنها ستؤكد عجزها، كما أثبتته دائماً في حل أزمات لبنان المتراكمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2sncnh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"