عادي
التصوير بين أبوظبي والنرويج وإيطاليا وبريطانيا

«مهمة مستحيلة: الحساب الميت».. خارج معايير هوليوود

23:08 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

من مغامرة إلى مغامرة أخطر وأكبر، لا يهدأ هذا النجم الستيني الذي صار رمزاً للمخاطرة الحقيقية في السينما العالمية، كثر حاولوا اللحاق به وتقليده، لكنه بقي متربعاً على عرش المجازفة والتصوير الفعلي للقفزات من ارتفاعات شاهقة آخرها المشهد الذي تشعر بتسارع ضربات قلبك حين تراه وأنت تعلم بأنه مشهد حقيقي لم تتدخل فيه التقنيات أو الجرافيكس؛ توم كروز يجدد الرهان ويرفع درجات التحدي في هوليوود من خلال فيلم «مهمة مستحيلة: الحساب الميت» الجزء الأول الذي يحقق نجاحاً في الصالات رغم امتداده لساعتين و43 دقيقة ورغم علمنا منذ البداية أنه لن يختتم أحداثه بنهاية واضحة بل يفتح باباً لجزء ثان ننتظره بشوق.

منذ عام 1996 ارتبط اسم توم كروز بشخصية «إيثان هانت» وصار فيلم «المهمة مستحيلة» سلسلة امتدت لسبعة مواسم، وها هو الجزء السابع يعيد للأذهان بعض ما عاشه إيثان هانت في مغامراته السابقة، ويعيدنا إلى البداية في لقطات معينة وبعض المقتطفات من الجزء الأول والجزء السادس، ويربط بين خسارة هانت لصديقته ماري (مارييلا جاريجا) على يدي الحاقد الشرير غابرييل (إيساي موراليس) والذي يعتبر العدو اللدود والأكثر ظهوراً ومطاردة لهانت، والرغبة في الانتقام واحتدام الصراع بينهما في هذا الجزء.

الصورة

دائماً يثبت توم كروز أنه يمشي في خطه الذي لا يحيد عنه غير عابئ بمسألة التقدم في السن، وبينما تنشغل هوليوود بفبركة بطولات خارقة ووهمية تعتمد فيها على الجرافيكس وتركيب المشاهد وتقنيات «سي جي إيه» و«سي جي أي»، والتصوير الوهمي داخل الاستوديو بلا أي مغامرة حقيقية، قدم كروز في الصيف الماضي فيلمه الرائع «توب غان: مافريك» ففاق بنجاحه كل التوقعات، وأتبعه هذا العام بفيلم «مهمة مستحيلة» الجزء السابع، ليثبت أنه أحد آخر نجوم السينما الحقيقية، وأنه يراهن على الأداء والتمثيل حتى في أفلام المغامرات والتشويق والحركة، وليثبت أيضاً أن تطور التقنيات لا يعني التخلي عن التمثيل الحقيقي والاعتماد على تحريك اللقطات طوال الوقت والمونتاج والإخراج، وإن اعتمد عليها في أفلامه لزوم الأكشن، فإنما يطعّمها بلمسة مختلفة وبصمة تحمل توقيع توم كروز فقط.

نموذج تشويق

المخرج كريستوفر ماكواري جعل من الفيلم نموذجاً للتشويق المتواصل لمدة 163 دقيقة بلا ملل، كما تولى ماكواري كتابة هذا الجزء بالاشتراك مع بروس جيلر وإريك جيندرسون واللافت أنهم منحوا باقي الشخصيات مساحتها الكافية للظهور، حيث يلعب إيساي موراليس دوراً مهماً، والبطلات الثلاث يتبارزن في قوة الأداء ومساحتهن لا تقل عن مساحة وأهمية دور ووجود إيثان هانت، على رأسهن غريس النشالة والتي أدتها بتميز الممثلة هايلي أتويل، ودورها أكبر مساحة من دور إلسا فاوست (ريبيكا فيرغسون) العائدة لتقف بجانب صديقها القديم إيثان، وثالثتهما إيلانا الملقبة بالأرملة البيضاء، تؤديها فانيسا كيربي وهي الأقل تميزاً وبراعة في الأداء، بجانب طبعاً شخصية باريس التي تؤديها بتألق شديد بوم كليمنتيف.

الصورة

لماذا نجح الجزء السابع؟ لأنه ارتكز إلى مجموعة نقاط قوية، أولها كما سبق وذكرنا، عشق توم كروز للمغامرات ما ينقل هذا الإحساس للجمهور بشكل مباشر، ورغم ذلك فإن ميزان القوة في الفيلم لا يرتكز على كروز وحده بل لشركائه وخصوصاً شريكاته ثقل مواز، بطلات ينافسن الرجال في ألعاب القوة والقتال والركض والقفز.. براعة المخرج ماكواري في مشاهد الأكشن العالية الجودة والكفيلة بجعلك تعيش في توتر وقلق على مصير الأبطال، الكتابة الذكية والتي لم تعتمد على رص مشاهد وحركات الأكشن خلف بعضها البعض لإشغال الجمهور بها، بل مزجت بين الجدية والكوميديا في لقطات مفعمة بالمغامرات والتحدي، مثل مشهد هروب هانت وغريس ومطاردة باريس لهما من جهة وعميل المخابرات بريجز (شيا ويجهام) وزميله ديجاس (جريج تارزان دايفيس) من جهة ثانية في شوارع إيطاليا، مطاردات كوميدية مضحكة ظريفة أضفت لمسة منعشة على الفيلم فتنوع بين الأكشن والدراما والكوميديا المحبوبة.. أضف إلى كل ذلك نقطة مهمة جداً لا شك في أنها لعبت دوراً إضافياً في تميز الفيلم، وهي إدخال «شبح» الذكاء الاصطناعي على الخط والتحدث عن كيفية خروجه عن السيطرة فأصبح هو المتحكم بالعالم والقادر على اختراق كل الشبكات واستنساخ الأصوات وإخفاء الأشخاص وتعطيل أجهزة، والتحكم بكل شيء عن بُعد، فمن يستطيع إيقافه والوصول إليه؟

كيف يمكنك اختصار قصة «مهمة مستحيلة: الحساب الميت» دون أن تحرق الأحداث على المشاهدين؟ مهما حاولت التحدث عن هذا العمل، يبقى للمشاهدة سحرها وللمؤثرات الصوتية والتصويرية والموسيقى ومشاهد القفز في الهواء وسقوط القطار وحبس الأنفاس في الصالة والتأثر والتفاعل بالضحك حيناً وبالصراخ أحياناً، ميزة وجمال لا يمكن تعويضه أو اختصاره بسطور وبضع كلمات؛ ورغم ذلك نكتفي بالسطور العريضة للقصة.

تذكير بالماضي

يسترجع الفيلم بعض الأحداث وكأنه يذكرنا بماضي إيثان هانت وكيفية وصوله إلى هذه المرحلة من حياته والثمن الذي كان يدفعه كل مرة ومع كل مهمة أو مغامرة؛ وكما نعرف فإن هانت عميل سابق متمرد المطلوب إلقاء القبض عليه بسبب تمرده هذا، يتسلل إلى اجتماع مهم يحضره مدير صندوق النقد الدولي يوجين كيتريدج (هنري تشيرني)، فيخبره هذا الأخير بأن هناك ذكاء اصطناعي مرتد أو مارق ومتمرد، تمكن من الوصول إلى الأنظمة الدفاعية والأنظمة المصرفية وتحكم بأجهزة غواصة وتسبب في غرقها.. عدو مجهول المعالم وموجود في كل مكان تقاتل القوى العظمى في العالم للسيطرة عليه، لكن للوصول إليه يجب الحصول على مفتاحين يلتحمان مع بعضهما ليتم فتح الجهاز والتحكم به؛ يعلم هانت أن أحد المفتاحين موجود مع صديقته القديمة إلسا الموجودة في الصحراء في أبوظبي، فيسرع إليها، لكنه لن يكون الوحيد الذي يطاردها بل هناك من يحاول قتلها للحصول على المفتاح.

إيثان وفريقه -الشخصيات العائدة من جديد لوثر ستيكل (فينج رامز) وبنجي دان (سيمون بيج) – يسعون إلى الوصول للمفتاح ليس فقط من أجل تسليمه لصندوق النقد الدولي، بل الأهم معرفة أين وكيف يتم استخدامه، حيث يجهل الجميع ما هو السر الحقيقي وراء هذا المفتاح المزدوج، غبرييل كجندي من قبل الذكاء الاصطناعي ولا يتوانى عن قتل أي شخص يقف في طريقه أو يحول دون حصوله على المفتاح.. محمي من «الكيان» كل غرضه تدمير كل شيء كي يسيطر على العالم لوحده.. تجري الأحداث سريعاً، مطاردات والكل يتآمر والكل يحاول الحصول على المفتاح وحل اللغز، وكعادته يستخدم إيثان هانت ومخرجو سلسلة «مهمة مستحيلة» كل وسائل النقل في مطارداتهم ومغامراتهم، السيارة والطائرة والدراجة النارية والهبوط بالمظلة وقطار الشرق السريع، حتى الحصان والجمل دخلا على الخط أيضاً.. كذلك التصوير تنقل بين دول ومدن عدة، أبوظبي، النرويج، إيطاليا وبريطانيا.. من هنا لا تستغرب الكلفة العالية لإنتاج هذا الفيلم والتي بلغت 290 مليون دولار، حقق حتى الآن أي خلال أسبوعين من انطلاق عرضه ما يتجاوز 373 مليون دولار.

تجدد الصراع

لا ختام ولا نهاية، بل مشهد يعدك بتطورات كثيرة وأحداث سيتجدد فيها الصراع بين غابرييل الشرير الشرس وإيثان هانت، وكأنه يأتي خصيصاً لينغص عليه عيشه منذ سنوات، وجملة الختام تكفي لنفهم ما حصل وما الذي ينتظرنا «المفتاح هو البداية وليس النهاية»، والكلمة الموجهة لإيثان «العالم لا يعلم ولكنه يعتمد عليك».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3z4ch2cr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"