مضامين ودلالات قمة «الناتو» في فيلنيوس

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *
اجتمع زعماء حلف الناتو في فيلنيوس، ليتوانيا، يومي 11 و12 يوليو المنصرم، وكان من بين الحضور فنلندا العضو الجديد في الحلف التي تحضر لأول مرة بهذه الصفة، والسويد العضو المحتمل بعد رفع تركيا اعتراضها على ضمها عشية القمة، وعدد من الدول الشريكة من خارج الناتو إلى جانب أوكرانيا.

والواقع أن اختيار مدينة فيلنيوس لعقد القمة كان قراراً جريئاً لأنها تقع بالقرب من الحدود الروسية والبيلاروسية، وكأن الحلف أراد تأكيد التزامه بالدفاع عن جميع أعضائه، وخاصة المجاورة لروسيا، وعدم التراجع عن مواجهة ما يعتبره الحلف «طموحات توسعية» لروسيا أو رغبتها في استعادة الإرث السوفييتي.

وبينما احتل طلب أوكرانيا لعضوية الناتو معظم العناوين الرئيسية، اتخذ الحلف مجموعة من القرارات لتعزيز الردع والتكيف مع المستقبل، وتعميق الشراكات العالمية.

ومن الصحيح أنه تم إرجاء ضم أوكرانيا للناتو لما بعد الحرب، ولكن ذهب الحلفاء إلى أبعد من أي وقت مضى فيما يتعلق بعضوية كييف، عن طريق إلغاء متطلبات خطة عمل العضوية، وإنشاء مجلس الناتو-أوكرانيا. وقام الناتو أيضً بترقية حزمة مساعداته الشاملة إلى برنامج متعدد السنوات لمساعدة القوات الأوكرانية على الانتقال من الحقبة السوفييتية إلى حقبة الناتو، فيما يتعلق بالمعدات والمعايير. وسواء كانت حزمة فيلنيوس أقل من التوقعات أم لا، يبدو أن القمة تمثل خطوة في تغيير النقاش حول آفاق عضوية أوكرانيا. فقد ذكر بيان فيلنيوس أوكرانيا 48 مرة (مقارنة ب13 مرة في إعلان مدريد). وكما قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس: «إن فوز أوكرانيا تمثل في نوع من القبول الثقافي بأنها تنتمي إلى الناتو».

كما أقرت القمة خططاً إقليمية تحدد آليات الردع والدفاع في إطار ما وصفه الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ ب«أكبر عملية لإعادة تشكيل الخطط الدفاعية للحلف منذ الحرب الباردة»، لردع التهديدات التقليدية والمختلطة. فقد تم الاتفاق على ثلاث خطط إقليمية جديدة للدفاع عن حلفاء الناتو في جميع الأجنحة، إلى جانب ترتيبات جديدة للقيادة والتحكم. ولكن التقدم في نموذج القوة الجديد (300 ألف جندي) يبدو بطيئا، ولا توجد تفاصيل متاحة حتى الآن حول القوة الجديدة التي اتفق على تأسيسها. ومع ذلك، أكد الحلف الاستمرار في تطبيق استراتيجية «الدفاع المتقدم» لتقوية وجود الحلف في دول البلطيق وفي الجناح الشرقي الأوروبي.

وكما هو متوقع، وافق الحلفاء على التزام جديد بإنفاق 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع؛ من أجل سد الفجوة في الإنفاق الدفاعي داخل الحلف الذي خلفه عدم التزام عشرين عضواً بنسبة ال 2%. ولكن قد يُنظر إلى عبارة بيان القمة بأنه «ستكون هناك حاجة إلى إنفاق يتجاوز 2% من الناتج المحلي الإجمالي» على أنها غير كافية من قبل تلك الدول التي تتجاوز بكثير هدف 2%، مثل الولايات المتحدة ودول البلطيق وبولندا. وبالمثل، فإن الانقسامات في إدراك التهديد، والسياسة الداخلية، والاقتصاد، ستستمر في جعل من الصعب على جميع الحلفاء تجاوز نسبة ال 2%.

ومن ناحيةٍ أخرى، كان حضور قادة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا القمة دليلاً على التزام الناتو بتعميق العلاقات مع شركاء منطقة الإندوباسيفيك رداً على تنامي الدور الصيني في المنطقة وتحديها مصالح وأمن وقيم التحالف هناك. ولذلك، تم اقتراح «برامج شراكة مصممة خصيصاً» في الأمن البحري، والإنترنت، وتغير المناخ، والمرونة، والتكنولوجيات الناشئة. ولكن لم يتم الاتفاق على إنشاء مكتب الناتو المقترح في اليابان بسبب الفيتو الفرنسي والانتقاد الصيني. كما أظهر الناتو أنه لا يزال ملتزما بدعم غير الحلفاء الذين يسيرون على طريق العضوية، ولكنهم يواجهون العديد من العقبات الديمقراطية والأمنية في شرقي أوروبا (جورجيا ومولدوفا والبوسنة والهرسك).

وكما هو متوقع، أعادت القمة تأكيد أنّ روسيا تمثل أكبر تهديد مباشر لأمن الحلفاء بالناتو وللسلام في المنطقة الأوروبية -الأطلنطية، لكنها أكدت أيضاً الاستعداد للإبقاء على قنوات اتصال مع موسكو لخفض المخاطر ومنع التصعيد وزيادة الشفافية.

وبرغم أن الحرب الأوكرانية طغت على اهتمامات القمة، ومحاولة بعض الأعضاء قصر تركيز الناتو على منطقة شمالي الأطلنطي، أظهرت القمة اهتماماً متزايداً بمنطقة الإندوباسيفيك، وبالتنافس المتصاعد مع الصين والتحديات التي تمثلها بكين للنظام الدولي من وجهة النظر الغربية.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y7dpu6bh

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"