الدبلوماسية الاقتصادية لمحمد بن زايد

00:35 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. صلاح الغول*

شهدت الأسابيع المنصرمة حراكاً دبلوماسياً مكثفاً لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، اشتمل على زيارات دولة لكلٍ من الصين وكوريا الجنوبية، وحضور منتدى التعاون العربي الصيني، والمشاركة في قمة مجموعة الدول السبع الكبرى في إيطاليا. وقد هدف هذا الحراك إلى رفد الدبلوماسية الاقتصادية لدولة الإمارات بقوة دفعٍ جديدة لتحقيق أحد أهم أهداف السياسة الخارجية الإماراتية وهو دعم الازدهار الاقتصادي طويل الأمد.

والواقع أنّ الدبلوماسية الاقتصادية - التي تهدف إلى جذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز الاستثمارات الداخلية، وفتح الأسواق أمام التجارة الحرة، وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية ومتعددة الأطراف - تُعزز الثقل السياسي للدول، وتزيد المنافع الوطنية في كافة المجالات، وتُعتبر دليلاً على نجاح الاقتصاد وتفوقه داخلياً. وتتكئ الدبلوماسية الاقتصادية على عدة أدوات، أهمها الاتفاقات الاقتصادية، والسياسات والتدابير الاقتصادية، والحوافز والضرائب، والمنح والقروض والاستثمارات، والمساعدات الاقتصادية.

وترتبط الدبلوماسية الاقتصادية للشيخ محمد بن زايد بمبدأ «الاقتصاد أولاً»، وهو ما يُستخلص من المبدأين الثاني والثالث من مبادئ الخمسين، اللذّين يُشددان على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، كون التنمية الاقتصادية هي المصلحة الوطنية الأعلى للدولة وأنّها مسارٌ لضمان الأمن الوطني، وعلى وضع السياسة الخارجية في خدمة الاقتصاد والمصالح الاقتصادية للدولة.

وتقوم الدبلوماسية الاقتصادية للشيخ محمد بن زايد على عدة ركائز، أهمها مواصلة الانفتاح الاقتصادي، وما يتطلبه ذلك من الدفاع عن نظام التجارة العالمية الحرة للحفاظ على إمدادات المواد الغذائية الأساسية، ومن ثم تعزيز الأمن الغذائي، الذي يظل الأولوية المستمرة للسياسة الخارجية لدولة الإمارات. وترتكز الدبلوماسية الاقتصادية لسموه أيضاً على تنويع الاقتصاد، وتعزيز قدرته التنافسية، وبناء اقتصاد قائم على الابتكار والمعرفة، وتنويع الشركاء، والانخراط متعدد الأطراف في التكتلات الاقتصادية الكبرى. كما تنهض الدبلوماسية الاقتصادية للدولة على تعزيز القوة الناعمة الإماراتية؛ ما يجعلها الوجهة المفضلة في المنطقة لرواد الأعمال والشركات والمستثمرين.

وقد راكمت جهود الشيخ محمد بن زايد إنجازاتٍ اقتصادية على جهود أسلافه من القادة المؤسسين، على رأسهم الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه. يكفي أن نذكر أن الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات تضاعف أكثر من ست وعشرين مرة منذ عام 1975، حيث بلغ 19 مليار دولار حينها، ليتعدى النصف تريليون دولار (أكثر من 504 مليارات دولار) عام 2023، مرسخاً مكانته كثاني أكبر اقتصاد عربي. وسجل اقتصاد الدولة معدل نمو بلغ 4.3% في عام 2023، متجاوزاً معدلات نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

وتُعد دولة الإمارات أكثر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انفتاحاً على الاقتصاد العالمي واندماجاً في عملياته، وقطعت الإمارات شوطاً كبيراً في جهودها لتنويع اقتصادها؛ ما يقلل تعرضها لتقلبات أسعار النفط مقارنةً بسائر دول مجلس التعاون.

فبعد نحو عام على توليه رئاسة الدولة ارتفعت نسبة إسهام القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، لأول مرة، إلى 74%؛ محققاً نسبة نمو بلغت 5.9% في عام 2023، مدفوعاً بالانتعاش القوي في السياحة والأنشطة المرتبطة بمعرض إكسبو دبي، والإنفاق الحكومي المستمر، والاستثمارات الاستراتيجية في القطاعات الرئيسية مثل: السياحة والتكنولوجيا والابتكار والطاقة المتجددة. ويقدم الأداء الاقتصادي لدولة الإمارات نموذجاً لإنجازات هيكلية لا تتكرر كثيراً في البلدان النامية المنتجة للنفط، علماً أنّ إنتاج النفط في دولة الإمارات بدأ متأخراً نسبياً، إذا ما قورن بالبلدان الأخرى في منظمة أوبك. علاوة على ذلك، حافظت الإمارات على مركزها الأول عالمياً في المؤشر العالمي لريادة الأعمال للعامين 2021 و2022؛ ما يعكس فعالية سياستها الاقتصادية في تحسين بيئة قطاع ريادة الأعمال. كما تتبوأ الإمارات موقعاً متقدماً في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، الذي يصدره البنك الدولي، حيث احتلت المرتبة 16 عالمياً من بين 190 دولة، وتبوأت المراتب الأولى والثانية والسابعة في مؤشرات كفاءة الأعمال وكفاءة أداء الحكومة والأداء الاقتصادي، على التوالي.

وأخيراً، وليس آخراً، ارتفعت الجاذبية الاستثمارية لدولة الإمارات عبر الأعوام الماضية بشكل مطرد، وأصبحت إحدى الوجهات الاستثمارية الأكثر تفضيلاً على المستويين الإقليمي والدولي. ففي تقرير الاستثمار العالمي لعام 2024، الذّي تصدره «الأونكتاد»، ويغطي 200 دولة حول العالم، حققت الإمارات قفزة كبيرة بلغت 35% في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال عام 2023؛ حيث استقبلت استثماراتٍ بقيمة نحو 112 مليار درهم، وحلت في المركز الحادي عشر على مستوى العالم، والمركز الأول عربياً وفي غرب آسيا والشرق الأوسط في الاستثمارات الواردة إليها أو الصادرة عنها. كما أنها ارتقت إلى المركز الثاني عالمياً بعد الولايات المتحدة في عدد مشاريع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الجديدة خلال العام المنصرم.

والخلاصة، أنه منذ توليه رئاسة الدولة في مايو (أيار) 2022، حقق الشيخ محمد بن زايد بدبلوماسيته الاقتصادية القائمة على اقتراب متعدد الأطراف أهدافاً اقتصادية متضمنة في الاستراتيجيات الوطنية الشاملة، لاسيما «مئوية الإمارات 2071» و«نحن الإمارات 2031»، بعضها كان مخططاً تنفيذه بنهاية العقد الحالي.

*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3sv9y7r3

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"